![]() |
تعريف وأنواع ومظاهر الأزمات الاقتصادية |
بحث عن الأزمات الاقتصادية :
محتويات البحث :
(1) تعريف الأزمة الاقتصادية .
(2) أنواع الأزمات الاقتصادية .
(3) مظاهر الأزمات الاقتصادية .
تعريف الأزمة الاقتصادية :
تشكل الأزمات جزء من حياة كل فرد أو جماعة ، إذ تشتد الأحوال حينا ثم تتيسر ، وبين الأزما9ت السياية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والصحية والغذائية وغيرها تظل المجتمعات تكافح نحو الاستقرار ومجابهة الأزمة والتخلص منها والعودة إلى الحالة الطبيعية .
وفي عالم الاقتصاد أصبحت الأزمة تمتص مجهوداً فكرياً وعلمياً كبيراً ، فهي من الناحية الفكرية تشكل إحدى أهم الموضوعات استلهاما للمنظرين والمفكرين الاقتصاديين ، ففي واقع الاقتصادات المختلفة تتزاحم الأزمات وتتعقد سابابها وتتداخل مظاهرها ، ما يستدعي إفراغ جهد واسع لفهمها وأسبابها والوصول إلى آليات تضمن الخروج منها بسلام ، أو تجعل من آثارها وتداعياتها أقل إضراراً .
وفي الاقتصاد الحديث ترجع أولى المحاولات الجدية لفهم أسباب الأزمات وضبطها إلى القرن التاسع عشر ، حيث ظهر بعض منظري الدورات الاقتصادية أمثال جون سيسموندي Jean Sismondi وكليمنت جوغلار Clement Juglar وجوزيف كيتشن Joseph Kitchin وغيرهم ممن حاول ترتيب الأزمة كإحدى مراحل الدورة الاقتصادية ، معتبرين الإيقاع الدوري أمراً لازما في كل اقتصاد .
ويقابل كلمة الأزمة في اللاتينية كلمة Crisis ، والتي ترجع في أصلها إلى اللسان اليوناني القديم ، بحيث كانت تستعمل كلمة Crise للإشارة إلى الأمراض الطارئة القاتلة .
وفي المعني اللغوي تعني الأزمة الشدة والضيق ، ومن ثم تطور المفهوم الاصطلاحي للأزمة ليشير به مستعمله إلى " حالة من عدم التوازن والاتساق بين ما تم وما يجب أن يتم " .
كما أن الأزمة في تعريف آخر هي : " مرحلة حرجة تواجه المنظومة الاجتماعية ، وينتج عنها خلل ، أو توقف بعض الوظائف الحيوية لهذه المنظومة أو كلها ، ويصاحبها تطور سريع في الأحداث ينجم عنه عدم استقرار في النظام الأساس لهذه المنظومة ، ويدفع سلطة اتخاذ القرار إلى ضرورة التدخل السريع لنجدتها وإعادة التوازن لهذا النظام ".
والأزمة أيضاً هي : " كل ما لا يمكن توقعه أو التفكير فيه سواء من أحداث أو تصرفات تؤثر أو تهدد بقاء الإنسان ومنظمات الأعمال أو الحياة الطبيعية " .
ويعرف إدغار موران الأزمة بأنها : " تنامي الفوضي وغياب اليقين ضمن نظام ما ، فردياً كان أو جماعياً ، وتنجم هذه الفوضي عن تجميد الآلية التنظيمية ، وآلية الضبط علي وجه الخصوص ، فينتج عن هذه الفوضي تصلبات في النظام من جهة ، وتنفتح إمكانات مكبوتة من جهة أخرى ، وتتحول الاختلافات إلى تعارض والتكاملات إلى تضاد " .
وتعرف الأزمة أيضاً بأنها : " حدث مغاير لما هو مخطط له ، قد يكون متوقعاً وقد لا يكون " .
أما إذا خصصنا النظر إلى الأزمة في دائرة صنع القرار فنجد مثل هذا التعريف : " الأزمة موقف تتعرض له الدولة ، ويستشعر صانع القرار فيها درجة عالية من التهديد للمصالح والقيم الجوهرية للدولة ، ويتسم هذا التهديد بالفجاءة وعدم التوقع ، فيضيق الوقت المتاح أمام صانع القرار للتفكير فيه ، ويسوده الشعور بإلزامية اتخاذ القرار المناسب قبل أن يتغير ذلك الموقف علي نحو تصعب السيطرة عليه " .
وانطلاقاً من هذه التعريفات تتحدد المكونات الأساسية للأزمة ، والتي نلخصها فيما يلي من النقاط :
1- وجود موقف حرج ، تضيق فيه الحال عن معهود ميسور .
2- عدم التوازن ، وظهور الاختلال في الوضع ، وعدم الانتظام .
3- تسارع الأحداث والتضارب بين الأسباب والنتائج .
4- الانحراف عن مسار تحقيق الهدف الذي تأسست من أجله المنظومة ، أو يسعي إليه النظام المتأزم .
5- تحقق نتائج ومآلات سلبية تضر بالنظام أو الأفراد والفواعل وسطه .
6- الحاجة الملحة إلى حلول مستحدثة لضمان الخروج من الأزمة أو تطويق أضرارها وآثارها .
ومما يتجلي لنا من خلال التعريفات وتحليل مكونات الأزمة أن هناك فرقاً بين الأحداث والوقائع من ناحية والأزمة من ناحية أخرى ، فالأحداث والوقائع تسبق زمنياً الأزمات ، بل هي التي تتسبب فيها ، وبالتالي فالأزمة نتيجة عن واقع وحدث حاصل ، فانهيار البورصة مثلاً أزمة ناتجة عن تفوق عرض الأسهم علي الطلب بأضعاف كبيرة .
ومن الناحية الاقتصادية نجد تعريفات مختلفة للأزمة ، تدور كلها في فلك النقاط السابقة ، لكنها تختلف في تقدير أحداثها وأسبابها والآثار ، ومما نجده من تلك التعريفات : " تلك الاضطرابات الناشئة عن اختلال التوازن بين قطاعي الإنتاج والاستهلاك ، وينجم عنها الانكماش والركود الاقتصادي والانخفاض في مستويات الاستثمار وحالة من الذعر والحذر التي تصيب أسواق المال " .
وينظر بول جونسون Paul Johnson إلى الأزمة الاقتصادية كإحدى معالم التقلب الدوري في الاقتصاد ، فيعرفها بأنها " تأرجح أدني بدرجة كبيرة من الاتجاه طويل الأجل في معدل الإنتاجية الكلية لأغلب الفعاليات الاقتصادية الكلية كالناتج الإجمالي ومعدل البطالة والمستوي العام للأسعار " .
والأزمة الاقتصادية في تعريف آخر هي : " اضطراب مفاجئ يطرأ علي التوازن في أحد الأنشطة الاقتصادية أو في مجمل النشاط الاقتصادي في بلد ما أو عدة بلدان ، وتطلق بصورة عامة علي الخلل الناشئ من اختلال التوازن بين العرض والطلب " ,
وانطلاقاً من التعريفات المتقدمة وغيرها نلاحظ أن الأزمة الاقتصادية هي ظاهرة يتم التعريف عليها من خلال مظاهرها المختلفة ، ككساد السلعة والانخفاض في مستويات الاستثمار واختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك أي بين العرض والطلب ، والتضخم والانكماش ، وارتفاع معدل البطالة ، وانهيار البورصة ، وغير ذلك من المظاهر التي تعني في النهاية أن النظام الاقتصادي يمر بفترة حرجة يهتز فيها استقراره وتتعقد أحواله .
وإنما نجد أن الأزمة في اعتبار منظري ومفكري النظام الرأسمالي تمثل إحدى المظاهر الطبيعية للاقتصاد ، فهي أمر اعتيادي لا يعني بالضرورة حدوث انحراف نحو النهاية ، بل الأزمة - كما سيتبين لاحقاً - إحدى المحطات التي تلزم من أجل تجقيق نمو آخر أو أكبر .
أما في الفكر الاشتراكي فإن الأزمة معزوة إلى التناقضات التي يحملها الفكر الرأسمالي وتطبيقاته ، فهي حالة مرضية في النظام الاقتصادي يتسبب فيها ذلك السعي الشرس إلى تعظيم الأرباح ، وما ينجم عنه من تنافس بين الشركات وأرباب الأموال والمستثمرين الذين يكثفون من استغلال عمالهم تحقيقاً للهدف ، فينتج عن ذلك تناقضات جوهرية تؤدى باستمرار إلى الأزمات ، أما في ظل النظام الاشتراكي فإن احتمالية الأزمة تتقلص وقد تنعدم ، إذ أن محاربة الاحتكار وفرض العدالة وتدخل الدولة لتنظيم الاقتصاد وجعله سبيلاً لتأمين حاجات البشر لا لتعظيم الأرباح يحقق الاستقرار ، ويجنب الوقوع في الأزمات .
ويتصل بمصطلح الأزمة الاقتصادية مصطلح الأزمة المالية ، وقد يستخدم الكثيرون من غير المتخصصين أحد المصطلحين في غير ما يقصده ، فلابد من تبين ما بينهما من فرق ، ويتعلق الفرق بينهما في الجوانب التي يطالها الاضطراب ، وعليه فالأزمة المالية أقصل اتساعاً من الأزمة الاقتصادية ، إذ في الأزمة المالية يضطرب النظام المالي ، وهو ما يظهر في انخفاض أسعار الأصول المالية كالقروض والودائع البنكية وسعر الصرف وإفلاس الوسطاء الماليين ، وميل المستثمرين إلى السيولة المالية ، وغير ذلك من المظاهر .
في حين نجد أن الأزمة الاقتصادية تمس جوانب الاقتصاد الحقيقي إلى جانب الاقتصاد المالي ، إذ ينخفض الإنتاج وتشهد البطالة مستويات مرتفعة وتنكمش التجارة وتختل موازينها .
أنواع الأزمات الاقتصادية :
لم تنج المجتمعات البشرية عبر مختلف العصور من الأزمات الاقتصادية ، فتعسر الأحوال لا يعد ضرباً من ضروب الغرابة والخيال لأغلب البشر، فقد جُبِل الإنسان ضمن إطاره الفردي والجماعي علي تلون أيامه بين ما يسره وما يضيقه ، ويكفي دليلاً علي ذلك قراءة سريعة لأية تشكيلة اجتماعية تاريخياً للتأكد من أن الحال الاقتصادي كان هماً مستديما للإنسان ، فمهما حاول الإنسان أن ينفك عن حبه وتبعيته للمادة ، فإن الكسب والمال يبقى وسيلة من وسائل تحقيق العيش الكريم والسعادة ، وعليه كان الإنسان يسعي لتأمين الحاجات والتوسع في الرفاه ، حتى أصبح هذا السعي مهمة أساسية لكل فرد ومجتمع ، لكن ذلك السعي كان محفوفاً بالتحديات والصعاب من انقباض الموارد وتعذر التواصل والأسفار ، وانقطاع التجارة أحياناً ، وشح السماء وحدوث الكوارث الطبيعية المهلكة للمزروعات من فيضانات وزلازل وجراد ، كما أن تضارب المصلحة بين الجماعات كثيراً ما أدى إلى الحروب والتقاتل ، وقد خلفت هذه الأسباب وغيرها أزمات حادة عسرت الحال الاقتصادية للبشرية .
وفي هذا السياق يفصل القرآن الكريم في تقلب أحوال اقتصاد مصر القديمة ، ففي سورة يوسف عليه السلام يتبين أن مصر برخائها واستقرارها السياسي وقواها الاقتصادية كانت معرضة للعبور علي السنوات العجاف ، قال تعالي علي لسان يوسف مفسراً رؤيا الملك : " قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون * ثم يأي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلاً مما تحصنون * ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " ( سورة يوسف : 47-49 ) .
وبغض النظر عن الأسباب التي كانت تقف وراء هذا التحول من سنوات اليسر السبع إلى سنوات العسر الأخرى ، فإن استقامة الأمر للمجتمع واستئساد السلطة علي الوضع الاقتصادي لإبقاءه علي يسر مستديم لم يتأت لمصر ولا لأي كان .
وإنما في التماس الفارق بين الأزمات قبل المجتمع الرأسمالي وفي ظل المجتمع الرأسمالي نجد الأسباب متباينة بين الزمنين ، فنحن نتحدث عن أزمات دورية في عصر الرأسمالية إن لم تكن منتظمة فهي شبه منتظمة زمنياً ، تنجم عن أسلوب إنتاج محدد للعالم ، وتتم هذه الأزمات في إطار تقلبات ودورات اقتصادية تتضمن حصول فترات انتعاش ورواج يعقبها فترات ركود وانكماش ، وذلك راجع إلى آلية عمل النظام الرأسمالي وهي آلية السوق الحرة والتلقائية ، أما الأزمات قديما فكانتب غالباً ما تحدث بضعف الإنتاج الذي يرتبط بالأسباب الطبيعية والبشرية ، ولم تنضبط بمدة معينة ودورات محددة .
وحين نعود إلى الفكر الاقتصادي الحديث والمعاصر نجد دراسات مستفيضة تحدد نمطية الأزمات الاقتصادية ، من أسباب ومدد ومظاهر ومآلات ، وتعتبر أزمة 1825 التي انفجرت في انجلترا حين استحرّت فيها الثورة الصناعية في مجال النسيج والآلات والسفن التجارية ، تعتبر أول أزمة دورية نجم عنها الإفلاس وتقلص الإنتاج وارتفاع البطالة وانتشار الفقر ، ثم توالت الأزمات وتلازمت مع تطور النظام الرأسمالي العالمي ، وتعقدت وتقاربت زمنياً خاصة في القرن الراهن .
وإذا حاولنا التمييز بين الأزمات التي يتعرض لها النظام الرأسمالي وجدناها علي ثلاثة أنواع : الأزمات الاقتصادية الدورية ، والأزمات الاقتصادية الوسيطة ، والأزمات الاقتصادية الهيكلية . وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التصنيف معتمد علي أساس عمق الأزمة ومجال تأثيرها ، لا علي نوع الدورة الاقتصادية التي تعد الأزمة إحدى مراحلها .
1- الأزمة الاقتصادية الدورية :
حين ترتبط الأزمة بفيض الإنتاج فإنها تسمي أزمة دورية ، فقد يختل التوازن بين العرض والطلب ، أما بارتفاع الإنتاج أو بانقباض الطلب مما يولد هزات تصيب أغلب قطاعات الإنتاج ويسمي البعض هذه الأزمة بالأزمة العامة والتي تصيب كل عملية تكرار للإنتاج أو الجوانب الرئيسية فيها وهي الإنتاج والتداول والاستهلاك ويمكن اعتبار هذه الأزمة أوسع من الأزمة الهيكلية لأنها تتصف بقصر الأجل في فيض الإنتاج .
2- الأزمة الوسيطة :
وهذه الأزمة تحدث جراء الاختلالات والتناقضات الجزئية في عملية تكرار الإنتاج الرأسمالي ، ومع أن هذه الأزمة تمس جوانب مختلف ، إلا أنها لا تتعدي الاقتصاد الوطني ولا تتداعي آثارها نحو الاقتصاد العالمي ، ويمكن القول بأن فرص التحكم في هذه الأزمة وتجاوزها أوسع من مما سواها .
3- الأزمة الهيكلية :
ويطلق عليها البعض بالأزمة البنيوية إشارة إلى عمق آثارها ، وتحدث هذه الأزمة أساساً بالاختلاف بين الإنتاج والاستهلاك ، فإما أن تحدث بفيض الإنتاج وما يترتب عليه من كساد وركود للاستثمار وارتفاع للبطالة ، وإنما تتميز عن الأزمة الدورية بشمولها في العادة لمجالات وقطاعات كبيرة من الاقتصاد العالمي ، كما تحدث في أزمات الطاقة والغذاء والموارد والأزمات المالية الكبري ، وبالتالي فآثارها عادة ذات اتساع قطاعي وجغرافي .
وتعقيباً علي هذه الأنواع ، نسجل أن التفريق بينها قائم علي اعتبار الآثار التي تخلفها كل أزمة ، فبين آثر تمس أجزاء وقطاعات محددة من الاقتصاد الوطني ، إلى آثار شاملة لكل قطاعات الاقتصاد الوطني إلى آثار أبعد ، فضلاً عن مدى ارتباط هذه الأزمات بالتقلب الدوري الاقتصادي في سياق الدورة الاقتصادية .
كما يؤكد هذا التصنيف أن استقرار الوضع الاقتصادي في ظل النظام الرأسمالي علي وتيرة من التوسع لا يمكن حدوثه ، فعملية تكرار الإنتاج الرأسمالي تستلزم حدوث التوسع حيناً والركود حيناً آخر .
وإن تجدد تراكم رأس المال في الاقتصاد العالمي يرتبط بالأزمات الهيكلية التي تحدث فيه ، ومع أن هذا النوع من الأزمات أقل عدداً إلا أن التاريخ الاقتصادي الحديث يؤكد أن النظام الرأسمالي يسقط في أزمات حادة يحاول عبرها رأس المال خلق فرص أوسع للتكون وتحقيق الاستمرار ، ولعل أزمة النفط في 1973 إلى 1975 شاهد علي هذا الافتراض .
مظاهر الأزمات الاقتصادية :
يعتمد الاقتصاديون مجموعة من المؤشرات التي يحكمون بها علي الحالة الاقتصادية للاقتصادات الوطنية والاقتصاد العالمي وهي المؤشرات التي يتم توظيفها لاستقراء الأحوال المستقبلية والتنبؤ بالأزمات أو فترات الانتعاش ومجالاته ، وهي بالمجمل مؤشرات اقتصادية لها استخداماتها المختلفة ، فمع تطور علم الاقتصاد أصبح القياس الرقمي للظواهر أكثر قدرة علي التفسير والتنبؤ .
ويختلف الأمر في تقدير أهمية المؤشر علي آخر وفق كل مدرسة ، وسنركز هنا علي أكثر تلك المؤشرات اعتماداً ، وهي التي تتعلق بالإنتاج والتشغيل وأحوال البورصة والأسعار والتجارة الخارجية .
1- الإنتاج :
وهو المظهر الاقتصادي الأساس الذي ترتبط به العمليات الاقتصادية الأخرى من تشغيل واستثمار واستهلاك وتكرار ، وهو الحلقة الرئيسة في تكوين رأس المال وتراكمه ، ويشير إلى حجم السلع والخدمات التي يتم إنتاجها ويستخدم الإنتاج لقياس نبة النمو ، وفي أزمات فيض الإنتاج عادة ما يسبقها إنتاج وفير يلزمه وقت زمني يتعادل مع المخزون الإنتاجي لإعادة تحريك الدالة مرة أخرى ، ويقاس الإنتاج بإجمالي الناتج ، وهناك طرق في حسابه ، فإما أن يتم تقدير القيمة النقدية لما يتم إنتاجه خلال عام ، وإما بتقدير عوائد من قاموا بالإنتاج ، وإما بتقدير إنفاق من حصل علي الدخل من عناصر الإنتاج ، وللناتج الإجمالي مؤشران :
أ- الناتج المحلي الإجمالي Gross Domestic Product القيمة النقدية لإجمالي السلع والخدمات التي أنتجت داخل حدود منطقة جغرافية ما خلال مدة زمنية محددة ، ويتولد هذا النتاج من جميع عوامل الإنتاج المحلية والأجنبية المتواجدة داخل الحدود الجغرافية لتلك المنطقة . والناتج المحلي الإجمالي ليس مؤشراً علي الرفاهية الاجتماعية ولا عي الثروة الإجمالية .
ب- الناتج القومي الإجمالي Gross National Product ، هو مجموع القيم النقدية للسلع والخدمات النهائية المنتجة في فترة زمنية ما ، المتولدة من جميع عوامل الإنتاج التي يمتلكها سكان بلد معين داخل حدود البلد أو خارجه ، أي أن هذا المؤشر يدخل في حسابه كل منتج من سكان جنسية ما دون اعتبار لمكان الإنتاج .
ويتم حساب الناتج القومي الإجمالى وفقاً للمعادلة التالية :
الناتج القومي الإجمالي = الاستهلاك + النفقات الحكومية + الاستثمارات + الصادرات + الإنتاج الأجنبي من قبل الشركات المحلية للدولة - الإنتاج المحلي من قبل الشركات الأجنبية .
ولابد من التنبه أن الناتج الإجمالي محلياً كان أو قومياً له صيغتان باعتبار الأسعار التي تقدر بها قيمة السلع والخدمات ، فإما أن يكون الناتج حقيقياً إذا تم اعتبار أسعار سنة أساس ، أي أسعار ثابتة يتم الاعتماد عليها كمقياس لسنوات عدة ، وإما أن يكون الناتج اسمياً إذا تم الحساب بأسعار السنة الجارية ، أي الأسعار السائدة في السوق في فترة القياس التي قد ترتفع ولو بفرض ثبات حجم السلع والخدمات المنتجة ، بمعني أن الناتج الإجمالي الاسمي يعكس الزيادة الحاصلة في الأسعار ويأخذ بعين الاعتبار ظاهرة التضخم ، فتكون قيمته أعلى من قيمة الناتج الإجمالي الحقيقي الذي يصح أكثر لقياس النمو الحقيقي لأن الاسمي يعتمد على الأسعار التي تجنح عادة إلى الارتفاع .
وبالرغم من أن مدارس مختلفة تنادي بوقف الاعتماد علي الناتج المحلي الإجمالى كإحدى مؤشرات النمو والتقدم الاقتصادي ، على اعتبار أنه يخفي تفاصيل كثيرة في واقع الاقتصاد من توزيع الدخول إلى التضخم إلى الديون التي تصرف للخروج من الأزمة إلى حجم الاقتصاد غير الرسمي ، والذي يسجل نسباً عالية في بعض الدول ، إلى غيرها من العيوب ، بالرغم من كل ذلك ما يزال الناتج الإجمالى إلى اليوم يعد مؤشراً أساسياً في حساب جملة من الظواهر ، خاصة ما يتعلق بالأزمات الاقتصادية .
2- التشغيل :
يمثل التشغيل دائماً إحدى أهم المعايير لقياس الانتعاش والركود والأزمات ، فالأزمة يسبقها انخفاض مستمر للإنتاج بما يؤدى باللزوم إلى تسريح القوة العاملة وارتفاع معدلات البطالة ، وما يقترن بذلك من آثار اجتماعية .
وبعيداً عن الجدل في إمكانية تحقيق التوازن من معدلات مقبولة من البطالة وأيضاً تقدير هذه المعدلات ، لابد من التوقف عند تعريف البطالة ، وإذا اعتمدنا علي منظمة العمل الدولية فهي تري أن البطالة : " هي نسبة القادرين عليا لعمل والراغبين فيه دون أن يحصلوا عليه إلى إجمالى الشغالين " ، وعليه يبقى مستوي التشغيل معياراً ملازماً للإنتاج والنمو ومؤشراً مهماً لقياس الأزمة .
ويحسب معدل البطالة بقسمة الأفراد العاطلين علي قوة العمل المتاح ، فمثلاً لو كان عدد السكان في سن النشاط الاقتصادي 1 مليون نسمة ، وعدد العاطلين 150 ألف ، فنسبة البطالة تعادل = 150000 / 1000000 = 15% ، ولكن ينطوي هذا التقدير علي اختلافات كثيرة تجعل من سب البطالة متضاربة في كثير من الأحيان ، فعلاوة علي الاختلاف في تعريف من هو العاطل عن العمل فإن حصر هؤلاء العاطلين في دول كثيرة أمر بالغ الصعوبة ، نظراً لضعف الإمكانات والوسائل الإحصائية خاصة في الدول النامية ، فضلاً عن أن هذه الإمكانات قد لا توصل إلى تقدير معدل البطالة دورياً ، بل يتيسر سنوياً فقط أو لأكثر من سنة ، وهو ما يعني تغير المعطيات ، ويترتب عن ذلك كله تضارب في تقدير الأزمة من عدمها .
ومما يدل من الأمثلة علي تأثر التشغيل بالأزمات الإحصاءات التي تقدمها أزمة الكساد الكبير 1929 ، ففي داخل الولايات المتحدة الأمريكية ارتفعت نسبة البطالة إلى 22.5% سنة 1932 بعد أن كانت قبيل الأزمة لا تتجاوز 3.1% سنة 1929 ، وفي الأزمة المالية 2008 فإن البطالة وفقاً لمعطيات البنك الدولي شهدت ارتفاعاً قدر بـ 20% ما بين سنتي 2007-2008 ، وقد عاني 83 مليون شاب من البطالة ، وهو ما يؤكد أهمية الاعتماد علي مظهر التشغيل والبطالة للتعرف علي الحالة الاقتصادية وعلي الأزمات خصوصاً .
3- أحوال البورصة :
قد يعتري الحالة الاقتصادية أزمات مالية متكررة ومتباينة الشدة ، وهي تؤثر بشكل أو بآخر علي الحالة الاقتصادية العامة وتنتقل آثارها إلى الاقتصاد العيني، ومنذ النظرية الكلاسيكية كانت العلاقة بين كمية النقود والمستوي العام للأسعار تمثل إحدى الزوايا المفسرة للأزمات والتقلبات ، وقد شهدت هذه النظرية تطوراً وتغييرات كثيرة ، علي أنها انطلقت من افتراضات قاعدية أهمها أن العرض يخلق الطلب ، ليتوصلوا إلى أن الاختلال في الأسعار وحدوث التقلبات الاقتصادية إنما يقعان بسبب النقود ، فحين يزداد حجم النقود يميل الأفراد إلى الاستهلاك فيرتفع الطلب ثم الأسعار وبالتالي التضخم ، وما يعقبه من اختلال في مجال الإنتاج والاستهلاك والاستثمار .
ومن هذه الفكرة البسيطة تطورت الرؤية إلى مؤشرات البورصة لتصبح تقنية وأداة لقياس الأسعار وكميات الأوراق المالية المتداولة في سوق الأوراق المالية من أجل التعرف علي أداء السوق بصفة عامة أو قطاعي سوقي بصفة خاصة بطريقة مستمرة ومنتظمة في فترات زمنية محددة .
ولئن كانت الأزمات المالية متعددة الأنواع من قبل الأزمة المصرفية وأزمة المديوينة وأزمة الأوراق المالية فإنها في كل حالة مرتبطة بأزمة في الاقتصاد إما سبباً وإما نتيجة ، وعليه اتخذت أحوال البورصة مظهراً للتعرف علي حالات التعافي والأزمات الاقتصادية .
4- المستوي العام للأسعار :
هو متوسط أسعار السلع والخدمات المستهلكة في الاقتصاد خلال سنة معينة ، ويتم استخدام رقم قياس موحد لمتوسط أسعار السلع والخدمات باستخدام أسعار المستهلكين أو أسعار المنتجين .
ويعتبر المستوي العام للأسعار مؤشراً آخراً للأزمة الاقتصادية ، وترتبط به ظاهرة التضخم والانكماش ، فحين يحدث الانكماش فإن ذلك يعني وجود أزمة فيض في الإنتاج ، ينتج عنها مظاهر أخرى للأزمة كالبطالة ، وحين يحدث التضخم فإنه يدل علي أزمة ندرة في الإنتاج أو زيادة كبيرة للمعروض النقدي ، بما يعني في الحالتين إمكانية استخدام المستوي العام للأسعار كإحدى مؤشرات الأزمة الاقتصادية .
وكان التضخم يشهد في دول التعاون الاقتصادي والتنمية سنوات أزمة سبعينات القرن العشرين مستويات عليا ، ومن الأرقام ما يؤكد أن معدل التضخم بين ست دول أعضاء في هذه المنظمة بلغ 10.86% في عقد 1973-1982 ، وهو رقم مرتبط بالصدمات النفطية 1973-1979 أي بارتفاع المواد الأولية مما جر إلى أزمة خانقة ترافقت معها نسب لبطالة العالية بما يسمي أزمة الركود التضخمي .
5- التجارة الخارجية :
قد يأخذ البعض بمؤشر الميزان التجاري لقياس الحالة الاقتصادية لدولة ما ، والميزان التجاري هو سجل حسابي يسجل فيه كافة المعاملات التجارية ، أي الصادرات والواردات من السلع والخدمات التي تتم بين المقيمين داخل الدولة والمقيمين خارجها خلال فترة زمنية غالباً ما تكون سنة .
ويرتبط بالميزان التجاري وميزان المدفوعات ظواهر مختلفة مثل حجم المديونية الخارجية والاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى البد ، وتتميز فترات الركود بانخفاض مستوي التبادي التجاري بين الدول ، ويحدث العكس في فترات الازدهار الاقتصادي إذ تتوسع التجارة الخارجية ، وبالتالي يمثل هذان الميزانان - علاوة علي كونهما أداة للتعرف علي أداء الاقتصاد الوطني - إحدى أدوات قياس الحالة الاقتصادية لأية دولة ، أو مجموعة دول .
هذا وتترافق أغلب الأزمات الاقتصادية العالمية بانقباض التجارة الخارجية ، فعلي سبيل المثال قد شهد هذا التراجع في خمس دول كبري ما نسبته 56% بين سنتي 1929-1933 ، أي في أزمة الكساد الكبيري .
وفي الختام نستنتج أن مظاهر الأزمات الاقتصادية عديدة ، يتمثل أهمها في مؤشرات الإنتاج والتشغيل من ناتج إجمالي محلي وناتج إجمالي قومي ونسب البطالة ، إلى جانب أسعار البورصة التي فيها تتشابك مظاهر الترابط الاقتصادي العيني والاقتصاد المالي ، ومؤشرات التجارة الخارجية التي أصبحت في عصر العولمة تكتسب أهمية أكبر في مراقبة الأحوال الاقتصادية للاقتصادات المحلية وللاقتصاد العالمي أيضاً .
تعليقات