U3F1ZWV6ZTIzNTU5OTQyOTc0Njc4X0ZyZWUxNDg2MzY0OTI3Njg4Ng==

المدرسة المثالية

المدرسة المثالية في ضوء ادارة الدولة 



المدرسة المثالية في ضوء ادارة الدولة

بحث عن المدرسة المثالية :

1. مقدمة عن المدرسة المثالية . 
2. فلاسفة المدرسة المثالية . 
   - الفارابي . 
   - ابن باجة . 
   - كونفشيوس . 
   - أفلاطون . 
3. خصائص المدرسة المثالية . 

مقدمة عن المدرسة المثالية : 

 المدرسة المثالية وفلاسفتها وخصائصها : 

إن المثالية والواقعية لفظان فلسفيان، ولكنهما دائران على ألسنة الناس في اللغة الجارية، فالناس يصفون إنسانة بأنه مثالي؛ إذا كان في فكره، وفي عمله، حريصة على رسم الصورة الكاملة، ساعية إلى تحقيق المثل الأعلى، ويصفون إنسانا آخر بأنه واقعي إذا كان في تفكيره وتصرفاته ملتزمة حدود الممكنات القريبة الحصول؛ أخذ في الاعتبار الواقع الملموس" (أمين، 7 :1967 ) . 

ومع تقدم الحضارة الإنسانية، وازدياد أعداد السكان على وجه الكرة الأرضية، وكثرة التعقيدات؛ برزت الحاجة إلى نظام سياسي دقيق، فظهرت مدرستان في إدارة الدولة، هما المدرسة الواقعية، والمدرسة المثالية، وهذه الأخيرة محل بحثنا هذا. 

فالمدرسة المثالية التي نظر لها (الفارابي) و (ابن باجة) و (كونفشيوس) و (أفلاطون)، وجميع هؤلاء حاولوا إظهار السياسي على أنه إنسان أخلاقي ومثالي، "فكل واحد من هؤلاء وضع خلاصة أفكاره، وما استنبط من ثقافة عصره، إضافة إلى دراسة ما يحيط به من واقع، وما يجتهد به من رفع منزلة الإنسان إلى درجة أعلى، والعمل على تلبية حاجات الناس، والتغلب على المصاعب؛ ليحيا الناس جميعهم، في مدينة مثالية سعداء متعاونين (المنياوي، 2009: 10). 

فلاسفة المدرسة المثالية :

منذ القدم ظهر عدد من منظري الفكر المثالي في إدارة الدولة والحكم، وقد رأوا أنه من الأفضل للدولة وللرعية أن يكون الحاكم حكيمة ومثالية، يبتعد عن العنف والقسوة على الرعية. 

فالسياسة في أكثر معانيها انتشارا هي علم القوة، وتنظيمها في المجتمعات، أما الفلسفة فهي تنظيم مستمر لعملية التعقل، واكتشاف المبادئ المنظمة للتطبيق العملي، ولما كانت الأداة التي يمكن لها تحقيق هذا التوفيق بين القوة والعقل في المجتمع هي الدولة؛ فقد يحدث أن تنجح الدولة في إخضاع القوة للعقل. 

 وقد تهدف إلى أن يكون مثلها الأعلى هو تتويج العقل مقعد القوة، ولكن يحدث في الغالب أن تفشل في ذلك، وقد كان أفلاطون هو أول من غني بالبحث عن إمكانية هذا التوفيق؛ بل كان أول من دعا إلى هذا الهدف في فلسفته السياسية. 

"وقد نشأت الفلسفة السياسية، وونت لأول مرة من خلال الحياة السياسية التي وجدت عند اليونان؛ لأنه لم توجد نظريات سياسية في الإمبراطوريات الشرقية القديمة؛ إذ لم يكن من المألوف أن يتحدث المفكرون عن غير النظام القائم فعلا الذي كان يولي السلطة المطلقة لحاكم يستمد سلطانه من الآلهة" (مطر، 1995: 3-5). 

ولكن عندما جاء الإسلام، ووجد العرب متفرقين قبائل وعصبيات، فكون منهم أمة واحدة قوية متماسكة، وأسس لهم دولة اسعت حدودها؛ لتضم أجناسة شتى، وممالك وإمبراطوريات، كان لها شأن بعيد في الحضارة والمدنية القديمة. 

 ووجد المسلمون في القرآن الكريم، والسنة النبوية، أهم أركان التشريع الذي ساروا عليه في تنظيم مجتمعهم، وتسيير دفة أمورهم، من هنا لم يفصل الإسلام بين الدين والدنيا، ولم يأخذ بما أخذت به العصور الوسطى المسيحية من التفرقة بين سلطة الكنيسة وسلطة البابا، أو سلطة الصليب والسيف . 

وقد تأثر رجال الفكر السياسي الإسلامي بالتراث اليوناني، وكان أعظم تأثره بفلسفة أفلاطون؛ حيث كانت غايته السياسية عندهم هي تحقيق السعادة في الدنيا، وفي الآخرة، على نحو ما ذكر الفارابي، كما وجدوا في كتب الأخلاق ما يحقق هذه السعادة؛ فارتبطت الأخلاق بالسياسة، كما ارتبطت بالشريعة، وبما نص عليه الوحي (مطر، 1995: 37-38). 

وقد وصف المؤرخون الظواهر الاجتماعية كما هي دون تعليل، أما كتب الأخلاق والوعظ؛ فهي تدعو إلى ما يجب أن يكون؛ دون أن تبحث عن أسباب الخلل؛ حيث تناول الفلاسفة اليونانيون موضوع الاجتماع الإنساني ككتاب (الجمهورية) لأفلاطون و السياسة) الأرسطو، وكتب تلميذهم الفارابي (آراء أهل المدينة الفاضلة)، وأفلاطون والفارابي قد اعتنيا بالجهة الأخلاقية المثالية دون النظر إلى الواقع الخارجي، ولم يعللا لم كان ذلك (العبدة، 2009: 29 ) . 

وبعد دراسة العديد من أفكار الفلاسفة الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى المدرسة المثالية في الإدارة والحكم، توصل إلى تحديد عدد من هؤلاء الذين يمكن أن نعتبرهم فلاسفة للمدرسة المثالية، وهم أربعة كما يأتي : 

1- الفارابي. 

2- ابن باجة. 

3- كونفشيوس. 

4- أفلاطون. 

وفيما يأتي عرض لأفكار هؤلاء الفلاسفة: 

أولا: الفارابي 

الفارابي فيلسوف إسلامي من أصل فارسي، يلقب بالمعلم الثاني بعد أفلاطون، ولد عام 870 م، وتوفي عام 950م، كان رجلا حكيمة، يخلد إلى الهدوء والسكينة، وقف حياته على التأمل الفلسفي، وقد اهتم بعلم المنطق والمعرفة، والسياسة والحكم، وقد جمع خبراته من خلال تنقله في العديد من بلدان الشام، والعراق، وفارس، متعلمة ثم عالمة (عباس، 1996: 50). 

وقد عاش الفارابي في ظل نظام سياسي وراثي مرتبط بقدسية الخلافة العباسية، ولم يستطع أن يتجاوز ما هو موجود، فيقترح طريقة جديدة لنظام الحكم، فكل ما أتی به أنه اشترط أن تتوفر لرئيس الدولة عدة شروط أخلاقية، تتصف بها شخصيته لا أكثر. (  المنياوي، 2009: 12).  

 "فالمثل الأعلى للحكومة في نظره هو الذي يكون الحاكم فيه فیلسوفا، وأن الناس اجتمعوا بضرورة الاجتماع، ووضعوا أنفسهم تحت إرادة فرد يمثل الحكومة".  (جمعة: 2012، 36). 

ويضيف الفارابي: "إن رئيس المدينة الفاضلة هو أكمل أجزاء المدينة فيما يخصه، وله من كل ما شارك فيه غيره أفضله، ودونه قوم مرؤوسون منه، ويرأسون آخرين، كذلك رئيس المدينة الفاضلة ينبغي أن يكون هو أولا، ثم يكون هو السبب في أن تحصل المدينة وأجزاؤها" . ( الفارابي، 1986: 120). 

كما يرى الفارابي أن رئيس المدينة الفاضلة لا يمكن أن يكون رئيسا للمدينة الفاضلة إلا إذا اجتمعت لديه اثنتا عشرة خصلة قد قطر عليها، وهي أن يكون كالآتي:
 (الفارابي، 1986: 127 - 130 ) 

1- تام الأعضاء؛ ليقوم بأعماله على أكمل وجه. 

2- جيد الفهم والتصور لكل ما يقال له، فيتلقاه بفهمه على ما يقصده القائل، وعلى حسب الأمر نفسه. 

3- جيد الحفظ لما يفهمه، ولما يراه، ولما يسمعه، ولما يدركه، وفي الجملة لا يكاد ينساه. 

4- جيد الفطنة ذكية، إذا رأى الشيء بأدني دليل قطن له على الجهة التي دل عليها الدليل . 

5- حسن العبارة، يعينه لسانه على إيانة كل ما يضمره إبانة تامة. 

6- محبة للتعليم والاستفادة، منقاد له، سهل القبول، لا يؤلمه تعب التعليم، ولا يؤذيه الكث الذي ينال منه. 

7- غير شره على المأكول، والمشروب، والمنكوح، متجنبة بالطبع للعب، مبغضة للذات. 

8- محبة للصدق وأهله، مبغضين للكذب وأهله. 

9- كبير النفس، محبة للكرامة، تكبر نفسه بالطبع عن كل ما يشين من الأمور، وتسمو نفسه - بالطبع- إلى الأرفع منها. 

10- الدرهم والدينار وسائر أعراض الدنيا هينة عنده. 

11- محبة للعدل وأهله، ومبغض للجور والظلم وأهلهما، يعطي الصف من أهله، ومن غيره، ويحث عليه، ويؤتي من حل به الكور مؤاتية لكل ما يراه حسنا وجميلا، ثم أن يكون عدة غير صعب القياد، ولا جموحة ولا لجوجة إذا دعي إلى العدل؛ بل صعب القياد؛ إذا دعي إلى الجور، وإلى القبيح. 

12- قوي العزيمة على الشيء الذي يرى أنه ينبغي أن يفعل، جسورة عليه، مقداما غير خائف، ولا ضعیف النفس. 

ويعقب الفارابي على ما سبق فمتي أتفق في وقت ما إن لم تكن الحكمة جزءا من الرئاسة وكانت فيها سائر الشروط السابقة، بقيت المدينة الفاضلة بلا ملك، وكان الرئيس القائم بأمر هذه المدينة ليس بملك، فستكون المدينة عرضة للهلاك؛ فإن لم يتوق أن يوجد حكيم تضاف الحكمة إليه، لم تلبث المدينة بعد مدة أن تهلك" (الفارابي، 1968: 130). 

ثانيا: ابن باجة  : 

ابن باجة هو أبو بكر محمد بن يحيى الملقب بابن الصائغ، أو ابن باجة، أشهر علماء الأندلس، وكان مشهورة بالطب، والرياضيات، والفلك، وقد ولد بمدينة سرقسطة في الأندلس أواخر القرن الحادي عشر ميلادي، ولما شب تحول إلى إشبيلية عام 1118م؛ حيث أقام، وانقطع التأليف الكتب (جمعة: 2012، 79). 

يتحدث ابن باجة عن التدبير السياسي، وعن الحكومة الكاملة، فيقول: "ومن علامات الحكومة الكاملة أن لا يكون بها أطباء أو قضاة؛ فإن أهل المدينة الكاملة ليسوا في حاجة إلى المداواة؛ لأنهم لا يتناولون من الغذاء إلا ما يوافقهم، وبذا تختفي الأمراض الصادرة عن الغذاء . 

أما الأدواء الخارجة عن الإنسان؛ أي التي تصيبه بدون تفريط، أو إفراط منه؛ فإنها تزول بذاتها، وأما الاستغناء عن القضاء؛ فلأن العلاقات بين أبناء البلد يكون أساسها المحبة، فلا يقع الخلاف بين الأصدقاء، ثم إن الحكومة الكاملة كفيلة بأن يبلغ الفرد فيها أرقى ما يمكن من مراتب الكمال؛ لأن الكل يفكرون بأعدل وسائل التفكير، وينظرون إلى الأمور أدق نظر، ويطيع كل فرد ما تأمر به القوانين؛ لأن الفرد يكون عالما بما يجوز وما لا يجوز. 

كذلك تخلص الأعمال من الخطأ والهذر والخلل، فتصفو الطباع، وتكرم الأخلاق؛ بحيث لا تكون بالناس حاجة إلى طيب النفوس، وهو ما لا غنى للجمهوريات الناقصة عنه" (جمعة: 2012، 82-83). 

ثالثا: كونفشيوس 

عاش كونفشيوس بين عامي (551-479 ق.م)، وهو ينحدر من أسرة كانت تحكم ولاية سونغ في الصين، ولكن افتقرت الأسرة قبل مولد كونفشيوس، ولذا اشتغل برعي الأغنام، وتنسيق الحدائق العامة، وانصرف إلى تعليم نفسه تعليمة عميقا مكنه من أن يباشر مهنة التعليم عندما بلغ الثانية والعشرين من العمر؛ حين أنشأ مدرسة لتدريس أصول الأخلاق، والفلسفة السياسية؟ 

 وهو أحد المفكرين الذين تركوا بصماتهم على الحياة الإنسانية على مر التاريخ؛ إذ استطاع إلى أقصى حبي ممكن أن يصوغ الحياة الثقافية، والسياسية، والحضارية، لأكبر أمم الأرض لما يزيد عن ألفي عام، ولا زال الأثر الكونفشيوسي عميقة وبليغة في حياة تلك الأمة التي تشكل أكثر من خمس سكان الأرض، هذا بالإضافة إلى تأثيره في أمم أخرى في تلك الناحية من الأرض (أحمد،47 :2010 )  

وقد عاش كونفشيوس في زمن اضطراب واحتراب عام في مجتمعه السياسي، هد بأفول نجم الحضارة الصينية المتألق في ذلك العصر، فقد ضعفت الحكومة المركزية ضعفة شديدة، أغرى بها الإقطاعيين الذين اجتمعوا لمناوشتها، وتكوين دويلات صغيرة، لينهشوا من أرضها، وجراء تلك الحروب المتواصلة سادت الفوضى، وعم الفساد والانحلال؛ حتى كاد أن يكون أصل الحياة في المجتمع، واجترأ بعض المفكرين والمثقفين؛ لتكوين آراء جديدة وتعميمها، تبرر الانحلال الخلقي حين دعوا إلى التخلي عن الأخلاق والفضائل؛ باعتبارها لا تتصل بأحوال السياسة والوضع العام.

 فالدولة تنهض على أساس القوة الاقتصادية والعسكرية، وتؤدي وظائفها بقدر ما تملك من وسائل القوة، ثم يأتي انحدارها وانهيارها بحسب فقدانها لمقومات القوة، ووسائل الضغط والعنف، بإزاء ذلك التيار الفكري المتجرد من القيم الخلقية؛ نهض كونفشيوس ليؤكد ضرورة التزام الدولة وقيادتها بقيود الأخلاق المتينة، قائلا: 

"إنه لا فرق في ذلك بين الدولة أو الأفراد العاديين في المجتمع، فالغايات المنوط تحقيقها بالدولة لا يجمل تحقيقها إلا بوسائل أخلاقية شريفة" (أحمد، 2010: 48). 

كما ذهب كونفشيوس لأبعد من ذلك عندما أكد على أن أقصر الدروب لتنفيذ مهام الدولة هي السبل الأخلاقية المستقيمة، وقال: "إن الناس يحتاجون في حياتهم إلى حسن التخلق والاستقامة أكثر مما يحتاجون إلى الماء والنار، وقد رأيت أناس كثيرين يموتون غرقا بالماء والنار، ولكن ما رأيت قط إنسانة مات بسبب من تمسكه بقيود الخلق والفضيلة" .(Confucius, 1938:200) 

كما يری كونفشيوس أن الالتزام الأخلاقي يزيد من قوة الدولة وهيبتها وسلطانها، فالعلاقة السياسية بأكملها وليدة لمجتمع الأسرة، وهي علاقات غير منفصلة عن علاقات المجتمع الأخرى، وهكذا فإن الدولة ما هي إلا كيان مكبر الصورة الأسرة.

 وعلاقات الحكام بالمواطنين ما هي إلا علاقات رعاية وتربية وتوجيه في الأساس، فالدولة هي جزء من المجتمع، وهي مولود نشأ بشكل طبيعي عن تضافر العلاقات الاجتماعية وتوثقها، ولم تأتي نتيجة لعقد اجتماعي صحيح أو موهوم بين المواطنين، كما لم تنشأ في أصلها نتيجة لاستلاب القوة بوساطة بعضهم، وفرض أنفسهم حكاما على الناس، صحيح إن هذا عارض قد يحدث، ولكنه لا يعبر عن طبيعة نشأة الدولة، ولا يحقق نوعا مثالية من الحكم؛ بل يشوه الصورة الأصلية التي ولدت عليها مؤسسة الدولة (أحمد، 2010: 50-51). 

وقد دعا كونفشيوس إلى إنشاء طبقة عليا مستنيرة بنور العلم الخالص، تغطى وحدها مقاليد السلطة، فتضع قواعد الحكم والسلوك السياسي الصحيح ونظمه، وتصبح تلك الطبقة في سلوكها وتصرفها قدوة لجميع طبقات الشعب.

 فكل فرد من أفراد هذه الطبقة العليا هو رجل رشيد مهدت منضبط الخلق، لم يزده شرفة أو مرتبة إلا علمه وځلقه، حيث إن تركيز كونفشيوس على رعاية أمر الأخلاق والتعليم أی به في النهاية إلى أن يهمل أمر القانون، متوهمة أن التكوين الأخلاقي والعقلي السليم للإنسان يكفي لترشيد سلوكه الاجتماعي والسياسي؛ بلا حاجة إلى ضابط من القانون، فالإخلاص أهم أثرا عنده من أثر التخويف بالعقاب. 

"إن الفكر السياسي لكونفشيوس هو في جوهره فكر إنساني خالص، اختلط بالأخلاق، وألزم السياسة قيود الفضائل والمثل العليا؛ بل دعا إلى استخدام السياسة، وأدوات الحكم، من أجل تعميق هذه الفضائل والمثل العليا، وقد تم استغلال تعاليم كونفشيوس التي تدعو إلى توقير الأسلاف، وطاعة الحكام، أسوأ استغلال بواسطة أولئك الحكام، حين فرضوا بموجب تفسيراتهم لتلك التعاليم وصاية قهرية على الشعب، صادروا بها حرياته وحقوقه في المشاركة السياسية" . ( أحمد ، 2010: 53-57). 

رابعا: أفلاطون 

عاش أفلاطون فيما بين (427-347 ق.م)، وشهد هزيمة أثينا في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، كما شهد إعدام أستاذه سقراط على يد الحكام الديمقراطيين الأثينيين، فأرت تلك الأحداث تأثيرا فاجعة على وجدانه، فكس بقية سنوات حياته؛ لتجديد الروح الأثيني.  (أحمد، 2010: 59).

 تتلمذ أفلاطون على يد الفيلسوف سقراط، واهتم بدراسة الجدل، والفيزياء، والأخلاق، والسياسة، وطالب بأن يكون الحاكم فيلسوفة، لذلك يعتبر أفلاطون المؤسس الحقيقي للمثالية . (فيصل، 1996: 31-32). 

وتعد جمهورية أفلاطون أساسا متينا، ومصدرا مهما، لك المدن الفاضلة التي كتب عنها الفلاسفة من بعده، فكل فيلسوف يبني حضارته، ويعالج مشكلات عصره على أساس المكان الذي وجد فيه، والعصر الذي عاش تحت ظل تقافته؛ فإنه يستقي الإلهام من جمهورية أفلاطون.

 وبرغم أن أفلاطون كان يسعى إلى تكوين شعب سعيد ينعم بالحرية والرفاهية؛ إلا أنه كان يهدف إلى تربية الملك الفيلسوف؛ لأن المجتمعات تسعد-في نظره- إذا ما حكم الملك الفيلسوف.

 وقد لاحظ أفلاطون أنه من الصعب صنع الملك الفيلسوف؛ فقد ارتأى أنه إذا كان من الصعب أن يكون الملك فيلسوفة؛ فلا بأس أن يتفلسف الملوك، بمعنى أن يتزود الحاكم بالحكمة؛ كي يستطيع أن يدير شؤون الدولة على أكمل وجه . (المنياوي، 2009: 12)

إن الدولة في نظر أفلاطون وضع دائمة لخدمة النفوس الفردية، ومن هذه النفوس تستم أصلها فلا يمكن أن تكون الدولة موضوعة معطى مباشرة للسياسة؛ بل الوصول إلى أعلى مثل ممكن من الكمال الشخصي هو غايتها النهائية، ومن هنا كانت السياسة تابعة للأخلاق في نظريته . (زكريا، 1977: 66)

وقد وجد أفلاطون أن الطرق التي وضعت بها القوانين في المجتمعات المختلفة التي عاصرته، قد وضعت بطريقة فوضوية غير تجريبية، فوضوية لا تشتمل على أية فكرة من الغاية النهائية التي يفترض أن تهدف إليها المجتمعات من تشريعاتها وقوانينها. 

كما أنه رأى أن المبادئ التي توضع أساسا للسلطة متباينة أشد التباين، وهي أربعة: (السن، والقوة، والثراء، والنجاح)؛ بل إن كل الأنظمة الموجودة لم تحقق الغرض الأساسي من وجودها . (غلاب، 156 :1970 ) 

فالمجتمع كما رآه أفلاطون فاسد، ويرجع هذا الفساد للحكام؛ لأنهم أفسدوا معنى السياسة الحقيقي، واعتقدوا بأنه السعي وراء الأمجاد والثروة، وأن السياسة في نظرهم لا تحتاج إلى علم ومعرفة حقيقية، ولا إلى درس العدالة وتحقيقها .

 كما أنهم لم يقيموا الشعب على أساس الخير العام، بل دبروه كيف شاءت مطامعهم وأهواؤهم، هذا فضلا عن أنها قد فقدت الاستقرار السياسي . (غيث ،1970: 24)

فلا تكاد نار حكم تنطفئ حتى تعود أخرى إلى الاشتعال ؛ بما تحمله من فساد وفوضى ، فلا يكاد النظام الأوليجاري (حكم القلة) يقضي عليه سعيه وراء المال بعد أن يم الدولة بالكسالى والمعدمين، حتى تحل محله الديمقراطية التي يقضي عليها التطرف في الحرية بعد أن ثمة الدولة بالفوضى والتهور . (ديورانت، 1955: 444)

وعلى العموم فإن الرذيلة قد تفشت في عهد أفلاطون إلى أبعد الحدود الممكنة، ويعود السبب في ذلك إلى ثلاثة عوامل كما يلي: 

1. تهريج الزعماء السياسيين، وتضليلهم .(غلاب، 1970: 55) 

2. انحطاط الدين في الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الخامس (ق.م)، إذ شك الكثيرون في قدرة الأرباب؛ بل وحتى في وجودها، وتقلص الخوف من الإله بين العديد من الناس، لاسيما الطبقة المثقفة التي لم تعد تهتم بالدين التقليدي من دون أن تضع ولو خطوطة عامة لاعتقاد جديد . ( الأحمد، 1997: 19)

3. مقتل أستاذه سقراط، وقريبين له من أصدقائه المقربين . (زكريا، 1977: 23)

إن كل هذه الأمور قد جعلت أفلاطون يدرك بأن كل دساتير الحكم فاسدة، ومستعصية على الإصلاح ، ما لم تجتمع لصلاحها معجزة من المعجزات القديمة، يصاحبها حسن التوفيق.

وقد دفعه هذا إلى القول: "بأن الفلسفة هي الطريق الوحيد لتحقيق أسعد حياة للجنس البشري، فلا سعادة إلا أن يتولى مقاليد الحكم جمهرة الفلاسفة، أو يتحول الحكام بمعجزة سماوية إلى فلاسفة" . (سباين، 1971: 45)

وهذا ما جعل فلسفة أفلاطون السياسية أخلاقية قبل كل شيء؛ لأنه يرى "أن السياسي يجب أن يتحصن بالعلم؛ أي بالفضيلة قبل أن يرمي بنفسه في خضم السياسة" . (غلاب، 158 :1970 ) 

إن المتأمل بتكوين الدولة المثالية في نظر أفلاطون يجد أنها مكونة من ثلاث طبقات، وهي كالآتي: 
(المنياوي، 2009: 12). 

1) طبقة اقتصادية مكونة من طبقة التجار والحرفيين. 

2) طبقة الراس. 

3) طبقة الملوك الفلاسفة. 

حيث يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة، ويتم إخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة، ويتم اختيار الأشخاص الأفضل؛ ليكونوا ملوكا فلاسفة؛ حيث استوعبوا المثل؛ الموجودة في علم الممثل ليخرجوا الحكمة . (المنياوي، 2009: 27)

 خصائص المدرسة المثالية

 أن المدرسة المثالية هي التي تفترض أن يتوفر لدى الحاكم مجموعة من الخصائص والصفات الأخلاقية؛ كي يستطيع أن يحكم دولته على الوجه الأمثل. 

فعندما تكون المدينة فاضلة، فستصبح كاملة، وكمالها هذا ينعكس على الأفراد؛ حيث يبلغ فيه الفرد أعلى مراتب الكمال؛ لأن الجميع يفكرون بأعدل وسائل التفكير، وينظرون إلى الأمور أدق نظر، ويطيع كل فرد ما تأمر به القوانين، فبدون أن يكون الحاكم فيلسوفة لا يمكن أن تكون المدينة فاضلة، ويسعد بها الناس؛ لأن الغايات المنوط بالدولة تحقيقها لا يمكن تجسيدها إلا بوسائل أخلاقية شريفة، وإن أقصر الطرق لتنفيذ مهام الدولة هي السبل الأخلاقية المستقيمة، حيث إن الالتزام الأخلاقي يزيد من قوة الدولة وهيبتها وسلطانها. 

يمكننا اجمال خصائص المدرسة المثالية في ست خصائص هي : 

1. شخصية الحاكم تتصف بمجموعة من الصفات الأخلاقية والمثالية، وهذا يزيد من قوة الدولة وهيبتها وسلطانها. 

2. الحاكم فيلسوف؛ فإن لم تتوفر فيه هذه الصفة؛ فعليه أن يتفلسف 

3. وجود الدولة وأركانها مرهون بوجود الحاكم الفيلسوف، وبدونه فلن تكون الدولة. 

4. الحاكم يستطيع أن يحقق أهداف الدولة والمجتمع من خلال وسائل أخلاقية ومثالية. 

5. الدولة لا يمكن أن تنشأ نتيجة لاستلاب القوة بواسطة بعض الناس، وفرض أنفسهم حكامة، وإن حدث ذلك؛ فإنه لا يعبر عن طبيعة نشأة الدولة، ولا يحقق نوعا مثالية للحكم. 

6. السلطة الحاكمة تستطيع أن تضع قواعد الحكم والسلوك السياسي الصحيح ونظمه، إذا تم انتقاؤها من طبقة عليا من المجتمع، وتعليمها؛ حتى تصبح مستنيرة بنور العلم الخالص، ثم تعطى وحدها مقاليد الحكم. 
تعليقات