بحث عن الدراما التلفزيونية :
ما هي الدراما التلفزيونية ؟ وماهي أشكالها ؟ |
بحث عن الدراما التلفزيونية :
محتويات البحث :
(1) مقدمة عن الدراما التلفزيونية.
(2) تعريف الدراما التلفزيونية .
(3) خصائص الدراما التلفزيونية .
(4) أشكال وأنواع الدراما التلفزيونية .
(5) عناصر بناء الدراما التلفزيونية .
(6) صورة البطل في الدراما التلفزيونية .
مقدمة عن الدراما التلفزيونية :
الدراما التلفزيونية تفرعت عن الفن الدرامي في ظل التطورات التي صاحبت العلاقة بين الدراما والجمهور من ناحية الوسائل المستخدمة ، لكنها أصبحت اتجاهاً فنياً قائماً بنفسه باعتبار التلفزيون يحمل من العناصر الفنية ما يضفي جمالية علي أداء الممثلين ، ويقدم فرصاً أكبر لمعالجة الواقع وتبليغ المعاني بعمق ، مع إمكانيات أخرى تتمثل في قابليته تجاوز عناصر الزمان والمكان ، بحيث يمكن مشاهدة المسلسل التلفزيوني في أي وقت خاصة في ظل خاصية الإعادة التي توفرها القنوات التلفزيونية ، أو خصائص توفرها التقنية الحديثة للتلفزيون التفاعلي .
تعريف الدراما التلفزيونية :
من خلال إلقاء نظرة سريعة علي شاشة التلفزيون ، وبضغطة زر بسيطة علي جهاز التحكم ، يمكن ملاحظة الكم الهائل من القنوات التلفزيونية المتخصصة في الدراما . كما يمكن الوقوف علي العدد غير المتهي من البرامج الدرامية بمختلف مصادر إنتاجها ، واللغات الأصلية والمترجمة التي يتم بثها بها للمشاهد في مختلف أرجاء العالم . لهذا فإن القول بأن الدراما التلفزيونية غزت العالم ، لا يعتبر بأي حال من الأحوال أمراً مبالغاً فيه ، ليس للمتخصص فحسب ، وإنما في نظر عامة الناس .
ومنذ البدايات الأولي لظهوره ، اضطر التلفزيون إلى الاعتماد علي الفنانين المشتغلين في المسرح والسينما كي يبدأ مسيرته الأولي باتجاه الجمهور . وقد تنبه الفن التلفزيوني إلى أهمية الدراما في التواصل مع الجمهور والوصول إليه . كما أن العلاقة بين الجمهور والدراما والتلفزيون توطدت بشكل تبادي استفاد فيه كل طرف من الآخر ، خاصة مع اعتماد التلفزيون علي نفسه في الإنتاج الدرامي بعد أن كان يعتمد علي المخرجات السينمائية والمسرحية .
من هذا المنطلق ، يمكننا القول بأن إيجاد تعريف جامع مانع للدراما التلفزيونية ، باعتبارها فناً منفصلاً عن بقية الفنون الأخرى أمر في غاية الصعوبة . " فالنص الدراما قضية شائكة تحتمل التأويل والتفسير والتنظير ، وهو يختلف باختلاف وسائل الاتصال المتاحة والتي من خلالها يخرج بمكوناته الفكرية وتقنياته الفنية إلى حيز المتلقي في نقطة التقاء بين الإبداع والجمهور .
والدراما التلفزيونية بكونها موجهة إلى متلق يختلف عن جماهير المسرح والتلفزيون ، وبالنظر إلى خصائصها الفنية التي تعتمد علي حاستي السمع والبصر ، فإنها تعتبر قضية فنية مستحدثة جمعت عدة فنون بصرية وسمعية وتشكيلية في مصفوفة إبداعية تربط الخيوط المتفرقة لعدة فنون إبداعية قديمة وحديثة . وهذا ما يجعلها ( الدراما التلفزيونية ) أكثر قدرة على التأثير علي الجمهور ، باستثمارها في العناصر المعرفية والنفسية والسلوكية له ، عن طريق استخدام كافة المؤثرات التي توفرها الصورة والصوت ، وبالاعتماد علي القدرات الإبداعية لفريق العمل كتلة متجانسة .
فالدراما في التلفزيون تختلف عن نظريتها التي تقدم عبر وسائل الاتصال الأخرى ، حيث يكون فضاء التعرض لها محصوراً علي الأوساط العائلية والاجتماعية الضيقة كالمنازل والمدارس والنوادي وما شابهها من فضاءات ، وهي متاحة للجميع باختلاف أعمارهم ومواقعهم داخل الأسرة .
وقد كان هذا بفضل سهولة امتلاك الجهاز والخصائص الفيزيائية والفنية له ، وهي نفس الخصائص التي أثرت علي تعريف الدراما وأدخلت ضمن دلالاته التقليدية العناصر التكنولوجية المشكلة للوسيلة التي تعرض عبرها ، بعدما كانت قائمة علي : النص ، المخرج ، الممثلين ، خشبة المسرح والجمهور كعناصر أساسية ، لتعدد إلى جزئيات مستحدثة من التطور التكنولوجي والتي أصبح لا غني عنها في الإنتاج الدرامي .
خصائص الدراما التلفزيونية :
تحولت الدراما من دخولها عالم الشاشة الصغيرة إلى مصدر أساسي للترفيه ، واستقطبت قطاعاً جماهيرياً متعدداً ، موزعاً علي كافة فئات المجتمع . فلم يعد تلقي المسلسلات التلفزيونية قاصراً علي فئة عمرية معينة ، أو جنس معين كما كان متعارفاً عليه ، بل تعددت الفئات بتعدد المواضيع ، مع التغيرات التي حصلت علي أجندة الجماهير ووسائل الإعلام علي حد سواء .
الدراما التلفزيونية المسلسلة هي آخر صيحة في عالم الفنون الدرامية ، يقبل عليها الناس بشكل منقطع النظير ، وانتشارها في تزايد مستمر خاصة منذ ظهور الأقمار الصناعية التي وسعت دائرة البث والاستقبال وزادت من عدد القنوات المتاحة . فهي التسلية الميسرة التي لا يضطر المرء معها إلى ارتداء الملابس والخروج من البيت واستعمال وسائل النقل ليتابع عرضاً درامياً في مكان وزمن محدد .
حولت الدراما التلفزيونية البيت إلى مسرح وقاعة سينما مفتوحين علي المجتمع ، ومغلقين علي صاحب البيت . فالمتلقي من خلال االدراما التلفزيونية تحول إلى مالك لخصوصية أنماط وعادات التعرض للدراما ، بحيث يمكن له أن يختار من يشاركه المشاهدة ، أو أن يختار العزلة فلا يشاركه فيها أحد ، لا من حيث عناصر الزمان ولا المكان . بعد أن كان شريكاً لجمع من المشاهدين ، يتاح له معهم اختيار واحد خارج المشاهدة وهو " عدم المشاهدة ".
وتلعب الكاميرا دوراً مهماص في الإخراج النهائي للعمل الدرامي ، وهذا كله قائم علي فريق عمل يتجاوز الحدود التي تقف عندها دراما المسرح . كما أن إخراج مادة درامية للتلفزيون يحتاج لساعات طويلة جداً من العمل قد تصل إلى أشهر أو تتجاوز السنة ( 12 شهراً ) في بعض الأعمال الدرامية الضخمة ، ليتم في النهاية تجهيز مسلسل من بضع ساعات تعرض ضمن فترةزمنية قصيرة علي حلقات . فمسلسل رمضاني مثلاً يتكون من ثلاثين ( 30 ) حلقة ، قد يحتاج إلى سنة كاملة لإنجازه بإمكانيات ضخمة ، وبتضافر جهود فريق عمل متخصص .
كما تعتمد الدراما التلفزيونية علي التصوير أكثر مما تعتمد علي السيناريو والإخراج ، إضافة أن المسرح يقدم زاوية واحدة للمشاهد بعد رفع الستارة على خشبته ، أما التلفزيون فهو يقدم المشهد من زوايا متعددة ، تتعدد معها العناصر التأويلية لدي المتلقي .
أشكال وأنواع الدراما التلفزيونية :
إن التشابك الذي وقع بين أشكال مختلفة من البنيات السردية التي تم تطويرها من الصابونيات Soaps ( البرامج الصابونية أو أوبرا الصابون ) ، تحولت إلى نموذج للدراما التلفزيونية .
وقد لاحظت جون إليس John Ellis أن المساهمة الأساسية التي قدمها البث اللتفزيوني للسرد وللإدراك الروائي للعالم وللواقع هو عدم حل بنية السرد عن الصابونيات . وهنا فإن التلفزيون يحتاج لقصص متعددة ، بالنظر إلى اتساع البنية السردية له وحاجة إلى ملء الفواصل الزمنية .
ويرجع هذا الأمر لكونه يبث علي مدار اليوم ، وهذا الأمر يعتبر ضخماً في مجال الإنتاج التلفزيوني . بالتالي فإن تعدد الأشكال الدرامية في التلفزيون يعتبر أمراً طبيعياً . لذلك فإننا نجد بالإضافة إلى الأشكال الدرامية المعروفة في دراما المسرح ( التراجيديا ، الكوميديا ، التراجيدوكوميديا ، الميلودراما ، المونودراما ) ، أشكالاً درامية مستحدثة برزت ظهور الدراما التلفزيونية ، فضلاً عن القصص الطويلة أصبحت ستسيطر علي الشاشة الصغيرة .
ويمكن أن نجد تصنيفات متعددة للدراما التلفزيونية خارج إطار التصنيف التقليدي ( التراجيديا ، الكوميديا ... إلخ ) ، لكنها غير موحدة أو متفق عليها بشكل نهائي ، ومن بين هذه التصنيفات علي سبيل المثال لا الحصر :
1- دراما الشخصيات :
تعتبر الشخصية في الدراما التلفزيونية العنصر الفني الإبداعي الأول والأكثر تأثيراً في المشاهد ، لأنهم يتجسدون أمام أعين المتلقي لساعات طويلة وأيام متعددة ويصاحبونهم في كل الأوقات . بل وتتحول الشخصيات إلى محور في النقاشات العائلية والاجتماعية ، إضافة إلى تحولها إلى رموز لها تأثيراتها في مختلف المجالات .
2- دراما الحوار :
إذا كان السيناريو هو الهيكل الرئيسي للسينما ، فإن الحوار هو لب الدراما التلفزيونية والشاهد الرئيسي علي تفردها ، ذلك لأن الفكرة أو الموضوع أو القصة تأتي في المقام الثالث للدراما التلفزيونية ، والكاتب المتمكن هو الذي يستطيع التعبير عن فكرته أو موضوع في شكل حوار درامي مكثف قصير معبر تكون فيه اللغة بسيطة وقريبة من المشاهد ولكنها في نفس الوقت معبرة بطريقة فنية إبداعية مميزة .
3- دراما الصراع والحبكة :
الصراع هو المحرك الأساسي لمفهوم الدراما ، لكن الدراما التلفزيونية صراعها له أبعاد واشكال قد تختلف عن الرواية أو المسرح أو حتى السينما لعدة أسباب .
فالصراع التلفزيوني هو صراع ممتعد عبر ساعات طويلة ، ومن ثم عنصر التكثيف لا يبرز الصراع بين قوي الخير والشر أو الأفكار والمبادئ أو بين الشخصيات بعضها ببعض أو بين الشخصية وضميرها إلا من خلال أربع مستويات للصراع تتمثل في : الصراع الجسدي السائد في الدراما التاريخية أو البوليسية ، الصراع الشخصي أو القبلي السائد في دراما المكان كالدراما الشعبية ، الصراع بين الأفكار والقيم والمبادئ وهو السائد في الدراما الاجتماعية والأكثر شيوعاً في الدراما التلفزيونية ،وهو الذي يجعلها محببة ومرغوبة لدي الجمهور ، وأخيراً صراع الذات وهو صعب التنفيذ في الدراما التلفزيونية إلا إذا كان الكتب مترمساً وملماً بأحوال الذات ومتمكناً بحيث يخرج من هذا الصراع عناصر التشويق التي تصمد أمام الساعات الطويلة للبث التلفزيوني .
4- دراما الزمان والمكان :
هي تلك الدراما البيئية التاريخية التي يجتمع فيها الزمان والمكان ليشكلا حياة الأفراد أو الشخصيات مع رسم دقيق لمظاهر الحياة من عادات وتقاليد ولغة وملابس وديكور ومشاهد مع التركيز علي الأحداث التاريخية الموثقة التي صاحبت الحقبة الزمنية في هذه البقعة الجغرافية أو المكانية .
فالشخصية والحدث في هذا النوع الدرامي يتأثران سلباً أو إيجاباً بالزمان الذي يتواجدان به ، إضافة إلى تأثيرات المكان أو الأرض التي تنشأ عليها الشخصية وتدور فيها الأحداث . ويصطلح علي تسميتها بالكرونوتوب Chronotope .
وفي هذا السياق ، فإن " الفنان لا يصور المكان ، إنما يخلقه وينتجه " علي حد تعبير بول كلي P. Klee . وهو بذلك ( المكان ) في الإنتاج الدرامي التلفزيوني نتاج لتفاعل بين فعلين متزامنين : فعل إبداعي يقوم علي نطاق المكان كبؤرة رمزية أسطورية ذات خصوصية ، وفعل إنتاجي يقوم علي تصور المكان بوصفه وحدة فيزيقية وهندسية تشكلها خطوط ورسوم مهندس الديكور وتخضع لقواعد حرفية أولاً ، ثم لتوظيف إيديولوجي ثانياً يقوم بصياغته الكاتب أو المخرج .
وفي تصنيف آخر تقسم الدراما التلفزيونية من حيث أشكالها الفنية إلى الأنواع التالية :
1- التمثيلية التلفزيونية :
هي وحدة فنية كاملة ، يتوفر فيها عناصر الدراما الأساسية وتدور حول فكرة منطقية واضحة ، وتقدم بواسطة شخصيات شبيهة بشخصيات الحياة ، يوفر لها الكاتب ما يجعلها مثيرة للاهتمام ويجرى علي ألسنتها حوار واضح فيه سمات الحقيقة .
2- المسلسل التلفزيوني :
تمثيلية طويلة تقدم علي شكل حلقات مسلسلة يستغرق عرضها متكاملة من خمس أو سبع أو ثلاثة عشر حلقة أو كثر . تتراوح مدة الحلقة في الغالب بين عشر دقائق ونصف ساعة ، ويعتبر التشويق عنصراً أساسياً فيها بحيث يبقي المشاهد متعلقاً بالحلقة التالية ، بحيث يتحرك الخيال لتوقع الأحداث الممكنة .
3- السلسلة التلفزيونية :
هي مجموعة حلقات تمثيلية تعالج معاني متباينة تضمها فكرة واحدة أو موضوع واحد ، وكل حلقة فيها قائمة بذاتها ، بحيث يمكن للمشاهد متاعبة بعضها دون الآخر . فالحلقات مستلقة عن بعضها ولا يكون التشويق إلا داخل الحلقة نفسها .
وهذا يمكن أن يقابله في الإنتاج الدرامي الحديث في البرامج التلفزيونية السيتكوم Sitcom والذي يكون في الغالب عبارة عن سلسلة فكاهية . وتتصدر الشخصية أو الشخصيات الرئيسية في السلسلة التلفزيونية المشهد من بداية الحلقات إلى آخرها .
4- الفيلم التلفزيوني :
هو عمل درامي ينتج خصيصاً للعرض في التلفزيون وتتوفر فيه العناصر الدرامية ، ويقدم واقعة واحدة في فترة زمنية تتراوح بين تسعين ومائة وعشرين دقيقة . ويتضمن توجيها غير مباشر للمشاهدين ، سواء علي مستوي الأفكار أو القيم أو السلوك . وهو عمل يمكن أن يكون مشتركاً من حيث العرض بين التلفزيون والسينما .
العناصر الإبداعية الجمالية والفنية في الدراما التلفزيونية :
يرتبط مصطلح الفنون الإبداعية بالفنون الجماهيرية ، المدعومة أو المرعية Sponsored ، وهو مستمد من الفلسفة الحديثة المبكرة الإنسانية المدنية ، التي اعتنقها أشخاص مثل إيرل شافتسبري Earl Shaftesbury والسير جوشوا رينولد Sir Joshua Reynolds في أوائل القرن الثامن عشر ( 18م ) .
لذلك فإن الدراما التلفزيونية فن إبداعي بامتياز ، باعتبارها تتكون من عنصرين يمثلان قلب الجماهيرية ، سواء الدراما باعتبارها فناً جماهيرياً ضارباً في التاريخ ، أو التلفزيون كوسيلة اتصال جماهيرية قضت علي حدود الزمان والمكان التي كانت مفروضة من قبل علي وسائل أخرى .
وفيما يلي سنحاول إبراز أهم العناصر الفنية الإبداعية في الإنتاج الدرامي التلفزيوني الذي يجعله مختلفاً عن الأشكال الدراسية .
عناصر بناء الدراما التلفزيونية :
يمكن القول أن عناصر البناء الدرامي لا تختلف كثيراً من شكل فني لآخر ، سواء تعلق الأمر بالمسرح أو السينما أو التلفزيون . وهذا باعتبار الاشتراك في اللون الذي انبثقت عنه وهو الدراما بمختلف أنواعها ( التراجيديا ، الكوميديا ، الميلودراما ، المونودراما ) ، مع الاختلافات في بنية النص من نوع لآخر .
وقد حدد أرسطو ستة ( 6 ) أجزاء أساسية تشترك فيها المحاكات عموماً والتراجيديا علي وجه الخصوص ، وهي الحبكة ، الشخصية ، اللغة ، الفكر ، المرئيات المسرحية والغناء . والواقع أن عناصر البناء الدرامي يمكن تحديدها من خلال السرد التاريخي السريع لنشأة الأدب المسرحي وتطوره ، إلى أن يصل علي ما وصل إليه علي يد الأدباء الإغريق مثل " أسخيليوس Aeschylus " و " يوربيدس Euripides " و " سوفوكليس Sophocles " . فالدراما تشبه بيتاً متكاملاً بعد أن ظلت الأجيال المتعاقة تضيف له لبنة فوق لبنة .
ولعل الدراما التلفزيونية شكل من أشكال هذا التطور التاريخي لعناصر البناء الدرامي ، من حيث دخول العناصر الفنية التي صاحبت التطور التكنولوجي وأضافت إلى الصناعة الدرامية عناصر جديدة لم تكن معروفة من قبل ، فتحولت الدراما التلفزيونية إلى شكل متفرد لا يشبه الفن المسرحي أو السينمائي .
فالعناصر الفنية الجمالية للدراما التلفزيونية ، جعلت البناء الدرامي متميزاً نوعاً ما عن البناء الكلاسيكي لدراما المسرح ، بل وتبرز من خلاله عناصر علي حساب أخرى كانت بارزة في الدراما سابقاً ، مثل بروز الشخصية علي حساب الفكرة ، والحوار علي حساب السيناريو . وهذا الأمر قد يكون راجعاً إلى التوظيف الدلالي والجمالي للكاميرا والديكور والإضاءة والماكياج والمونتاج .
ويمكن أن نجمل عناصر البناء الفني للدراما التلفزيونية فيما يلي :
1- الموضوع والفكرة الأساسية :
يمثل الموضوع ما يدور حوله العمل الدرامي والسياق العام له ، أما الفكرة فهي الهدف المقصود الذي يسعي المخرج لتحقيقه وإبرازه من خلال العمل الدرامي .
فالفكرة تمثل قناعة الكاتب التي يعبر عنها في النص الدرامي ويتم تجسيدها من خلال أجزاء العمل التي تؤدى علي وحدة الهدف ، وهي لا تكتمل فنياً إلا بترجمة النص إلى سيناريو وحوار يحوله المخرج إلى عمل إبداعي متميز .
2- الحبكة :
يضع أرسطو الحبكة في مقدمة العناصر المكونة للدراما ، وهنا يبرز الاختلال بين الدراما التلفزيوني كشكل فني مختلف عن الدراما الشعرية أو المسرحية ، بحيث تشترك الدراما التلفزيونية مع الدراما عموماً في " الحبكة " لكنها تختلف عنها باعتبارها ليست العنصر الأول المشكل لها .
فالحبكة هي خط تطور القصة ، وهي خطة الفعل الأساسية التي تبرز من خلالها الشخصيات والأفكار ، فالحبكة هي بناء الأحداث التي تكون الحدث الدرامي الأساسي للرواية ، مشكلة بذلك ترتيباً منطقياً للأحداث له بداية ووسط ونهاية ، ويشتمل علي صراع يختلف باختلاف النوع الدرامي المنجز .
3- الحوار :
وهو الكلام الذي يدور بين شخصين أو أكثر ، وهو العنصر الواضح في النص ، تبرز من خلاله أبعاد شخصية المتحدث ، وهو يساهم في شرح المواقف ، ويوضح الأفكار الأساسية . بغض النظر عن طبيعة اللغة المستخدمة ، والتي يمكن أن يكون لها تأثير علي دلالة الحوار وعلي جمالية المبني والمعني .
4- الصراع :
الأصل في أي عمل درامي أنه يقوم علي الصراع الذي يمثل بدوره أهم عناصر الحدث الدرامي . فالمؤلف أو الكاتب في أي عمل فني يعمل علي إيصال أبطال قصته إلى حالة التأزم التي تثير وجدان الجمهور نحو القصة .
5- الوحدة :
هي أحد المفاهيم الأساسية لكتابة الدراما بغض النظر عن نوعها أو أسلوب إنتاجها . فالعمل الدرامي يجب أن يحقق وحدة الحدث أو وحدة الانطباع العام ، وهي ترتبط بطبيعة الهدف الذي تعبر عنه الفكرة .
6- الشخصيات :
هي من أهم عناصر الأعمال الدرامية ، إن لم تكن الأهم علي الإطلاق ، فالعمل الدرامي لابد له من شخصيات تعبر عن نفسها من خلال حوار معين . فهي موضوع الحدث والحبكة والصراع ، كما تعتبر في مفهوم الدراما الحديثة المحرك الأول للحدث ، ولابد للشخصية باعتبارها كائناً حياً من سمات مهما تعددت أو اختلفت أدوارها ، وهي السمات التي يمكن أن تؤثر علي تمثلات المتلقي لذاته أو للآخر ، أو تؤدى به إلى التماهي مع المواقف الاجتماعية المختلفة التي تمر بها ، أو التقمص الوجداني لها
7- المؤثرات الصوتية :
للمؤثرات الصوتية قيمة إيجابية للتعبير عن الزمان والمكان ، ولتوفير الخلفية اللازمة للعمل الدرامي ، وخلق الجو النفسي ، وإعطاء العمل صبغته الطبيعية والانسيابية ، بحيث يتحول من عمل إبداعي متخيل إلى تجسيد للواقع والحقيقة . مثل الانطباعات والدلالات التي تحدثها دقات الساعة ، أمواج البحر ، أصوات الأشجار ، قرغ الطبول ومشي الأقدام وغيرها من المؤثرات التي تحدد السياق المكاني والزماني للحدث .
8- الموسيقي :
الغرض الأساسي لهذا العنصر هو ترجمة الأحاسيس التي يشعر بها الممثلون في العمل الدرامي ، بحيث تعمل علي تعميق الخط الدرامي للأحداث .
الإبداع بين خصوصية الإنتاج الدرامي في التلفزيون وجمالية السرد :
يمكن القول أن هناك علاقة قوية بين الصناعات الإبداعية باعتبارها منتجاً اقتصادياً في السوق الحديثة ، والإنتاج التلفزيوني باعتباره وسيلة اتصال جماهيرية تنقل المتلقي إلى عوالم قد لا يستطيع مقاومة قدرتها علي إبهاره من خلال تقديمها للعالم بحلة مغايرة لما تعود عليه .
لكن هذا النوع الجديد من الصناعة حول الإبداع إلى ثقافة مادية استهلاكية ، خاضعة لقوانين ومعايير السوق العالمية ، التي تمثل في مفهوم العولمة نمطاً موحداً للتفكير والاستهلاك والتلقي لمختلف المنتجات التلفزيونية خاصة الدراما .
لذلك فإن الدراما التلفزيونية تداخلت من خلال عناصر إنتاجها بين طبيعة الملكية الفكرية لها باعتبارها عملاً فنياً مشتركاً ، وبين حقوق النشر والإنتاج التي تحتكرها مؤسسات وهيئات عالمية كان لهوليود في البداية النصيب الأكبر منها ، قبل بروز هيئات ومؤسسات أخرى كسرت هذا الحاجز ، لكنها في نفس الوقت عززت الطابع التجاري للإنتاج الدرامي علي حساب النص وجماليته السردية .
تعاظمت أهمية الإنتاج التلفزيوني باعتباره أحد مقومات العجلة الاقتصادية محلياً ودولياً ، إلى درجة الحاجة إلى تكوين متخصص وفرق متخصصة في هذا المجال ، خلقت معها تخصصات إبداعية جديدة لم يعد بالإمكان التخلي عنها ، بالرغم من كونها متفرعة عن العمل الدرامي لا أساسية فيه .
ومن بين هذه المقومات التي ساهمت في تطوير العمل الإبداعي في التلفزيون عموماً وفي الدراما علي وجه الخصوص : الفنيون في مجال الصورة ، الكاميرا ، مؤثرات الصورة والصوت ، تكوين الفرق الفنية المختلفة ، الاستديوهات التلفزيونية بما فيها المدن الإعلامية ومدن الإنتاج الإعلامي وكذا مراكز البحوث والدراسات المتخصصة في مجال الإنتاج التلفزيوني بشكل عام ، والتي أصبحت لا غني عنها في معظم المؤسسات الإعلامية الكبري في العالم باعتبارها عنصراً حيوياً في العملية الإبداعية .
كما أن العناصر الجمالية للتلفزيون حولت كل برامجه إلى إنتاج درامي ، بما في ذلك البرامج الإخبارية والسياسية التي أصبحت تعرض في شكل درامي لتكوين صور ذهنية مقنعة لدي الجمهور بإضفاء الطابع الدرامي علي المواقف والحوادث . ولا نحتاج إلى بحث كثير لنقف علي حجم الدراما التي تخرج بها الأحداث التي صاحبت التغيرات السياسية في المنطقة العربية في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين ( 21م ) . فالصورة هي " الحقيقة الدرامية " التي لا تنفك عالقة في مخيلة المشاهد ، عن طريق السرد الدرامي للوقائع والأحداث المأساوية التي يوجه من خلالها المتلقي نحو اتخاذ قرار أو تبني موقف مؤيد أو معارض لطرف ما .
فالعرض الدرامي للأحداث سواء عبر إنتاج درامي خالص ، وعن طريق أدرمة Dramatisation الأحداث الحقيقية ، يقدم خبرة جمالية جديدة يعيشها كل من الممثل أو الفاعل في المفهوم الأرسطي للمحاكاة والمشاهد . وهو بذلك يخلق واقعاً فريداً يعيشه كل الفاعلين ، بحيث يصبح هذا العالم الجديد المستقل بذاته موضوعاً للتفير والتأويل من قبل المتلقي ، كأن يعيش المواقف المرعبة أو التعيسة أو الصادمة ، مشكلة لديه مشاعر الإثارة والفضول والافتتان التي يضعه فيها العمل الدرامي . وهو واقع جمالي يتم فيه التلقي بالفصل بين ذات الفنان والموضوع والمتلقي لحدوث التفسير والتأويل المناسب للعمل الفني .
لذلك فإن الدراما التلفزيونية باعتبارها سرداً لأحداث واقعية أو خيالية بطريقة جمالية ، تعتبر نصاً تجتمع فيه القدرات الإبداعية للكاتب ، والإمكانيات التصويرية للوسيلة ( التلفزيون ) في تجسيد هذا الإبداع وإخراجه في شكل يؤدى الغرض الذي أنجز لأجله . ويكون الممثلون والمشاهدون فيه فاعلين أساسيين في إعطاء هذا النص قدرات تأويلية تتجاوز الكاتب .
لكن القيود المادية للإنتاج الدرامي التلفزيوني ، وضعتنا أمام نوعية من الإبداع تتجاوز حدود السرد المرئي للواقع ، فليست انعكاساً للواقع ولا تطمح لتكون كذلك ، وإنما غايتها إثارة عقل المتلقي من خلال صياغات تعبيرية بواسطة تشكيلات لغوية ( وغير لغوية ) تعتمد علي علامات لكي تمثل المعني المراد إيصاله أو أن تكشف عن خبرة أو تجربة . بل لم تعد المتعة المطلقة هي ما يفتتنا في رواية الحدث ، أو أن نكون منجذبين نحو الأحداث العنيفة ، وإنما أصبحنا في مواجهة إبداع فني مختلف ومستقل بذاته .
وبالرغم من كون التلفزيون وسيطاً إعلامياً ، إلا أن أهم تطبيقاته الفنية تتجلى في دراما المسلسلات . ولديه القدرة علي عرض الواقع وتفسيره بطريقة جمالية يمكن من خلالها التأثير علي المشاهدين ، والتحكم في رؤيتهم للعالم المحيط بهم وإعادة تشكيل قناعاتهم . كما أن علاقته بالفنون الأخرى خاصة المسرح والسينما ، مكنته من نقل عناصرها الجمالية إلى بنيته السردية المتميزة ، ما جعله يحظي باهتمام من طرق الباحثين في دراسة الأبعاد الجمالية له ، من خلال تحليل البني السردية للمسلسلات .
ولم يقتصر هذا الاهتمام الأكاديمي علي تخصصات بعينها ، وإنما تنوعت الحقول البحثية التي اعتنت به ، كالأدب والفنون الجميلة وكذا علوم الإعلام والاتصال وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من الفنون والعلوم ، كل في زاوية البحث الخاصة به ، وهذا دليل علي ثراء المادة الدرامية التلفزيونية .
صورة البطل في الدراما التلفزيونية :
أثرت الصناعة الإبداعية للدراما التلفزيونية علي عملية الإنتاج الدرامي ذاتها مع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة . فالربح تحول إلى معيار أساسي له ، والتسويق هو المحفز ، والإعلانات هي البطل . كما غاب النص وأصبح يسمي الورق ، وتحولت سوق الدراما التلفزيونية علي سوق للنجوم والنجمات مثل سوق اللاعبين .
فالنجم في الدراما التلفزيونية التجارية عبارة عن سلعة تتحكم فيها سوق الإنتاج التلفزيوني لكنه ( النجم ) يتحكم أيضاً في سوق الدراما التلفزيونية ، فنجد الممثل يقرر أن يوقع عقداً مع شركة إنتاج ، ويقرر أن يعمل مع الكاتب الذي يناسبه ، ويتدخل فيك تابة النص الدرامي علي مقاس الشكل والمرحلة العمرية ، كما دخل العمل الدرامي أسماء جديدة لم تكن معروفة من قبل ، وتنامي صيتها بسرعة فائقة بسبب شكلها الخارجي بغض النظر عن مستواها الفني ، كما دخل الصحفيون عالم الدراما ليجدوا فيه متنفساً لقدراتهم الإبداعية .
لهذا نجد أن البرامج الدرامية في التلفزيوني تركز علي النجوم أكثر من تركيزها علي الموضوع أو الفكرة ، وتقلص مفهوم الشخصية الدرامية ليتلخص في البطل الذي له مقومات خاصة تجعله مقوبلاً عند الجماهير ، وهذا هو المحرك الأساسي لسوق الإنتاج الدرامي خاصة مع تزايد المنافسة واتساع رقعة القنوات التلفزيونية المتخصصة في البرامج الدرامية .
تتميز شخصية البطل في الدراما التلفزيونية بمجموعة من الصفات ، تعتبر خصائصعام تميزها عن الشخصية العادية ، وتحيل إلى ميزات خاصة يضيفها عليها الكاتب أحياناً ، وتبرزها الطبيعة التقنية للإنتاج والإخراج التلفزيوني . فمن بين هذه الخصائص :
- وحدة الخلق الطبيعي للشخصية الدرامية ، والذي يجب أن يكون نفسه من بداية العمل إلى نهايته ، كما لا يكون متناقضاً مع نفسه .
- التنويع في السلوك والمواقف والأخلاق ، من أجل كسر حاجز الملل عند المتلقي ، وإثارة عناصر التشويق والصدمة لديه ليبقي مرتبطاً بمختلف المواقف التي يجسدها البطل .
- الواقعية في طبيعة الشخصية بحيث تكون متوافقة مع الفكرة الموجودة في أذهان المشاهدين عن الواقع الاجتماعي . لذلك نجد أن المتلقي في كثير من الأحيان يحاول تمثل ذاته أو الآخرين أو واقعه من خلال متابعته لشخصية البطل .
- المصداقية في تناول الكاتب للشخصية بحيث لا تكون شيئاً خارقاً للعادة ، بل هي بشر يتأثر بما يتأثر به الإنسان العادي في حياته ، كما لا يحط من قدراتها فتتحول إلى شخصية عادية .
- العاطفية التي يضيفها البطل علي العمل الدرامي مهمة في تقاسم المشاعر المختلفة بينه وبين الجمهور ، ولذلك أكد أرسطو علي أن البطل في التراجيديا يجب ألا يخلو من الإنسانية .
يضاف إلى هذه الخصائص الهامة الوضوح بتركيز الكاتب علي سمات الشخصية والمنطقية في بنائها إضافة إلى محدوديتها من حيث الزمان والمكان الذي يمثل نقاط الظل التي يرتكز عليها العمل الدرامي في شخصية البطل ، التي تعتبر شخصية درامية يبني عليها الصراع .
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دأبت علي إنتاج " أبطال خارقين " من خلال بوابة هوليوود ، بالنظر إلى تاريخ وجودها القصير الذي لا يزخر بأبطال حقيقيين ، وإلى معاركها الخاسرة في كثير من بؤر التوتر . فإن الدراما التلفزيونية اشتهرت بنوعية من الأبطال يختلفون عن البطل السنيمائي المفتول العضلات الذي لا يمارس الضرب والقتل وإحداث الفوضي حوله .
فالبطل في الدراما التلفزيونية بمختلف أنواعها شخص أنيق مرتب الهندام ، جميل الملامح رومانسي الطباع ، له قدرة علي تكوين علاقات مع عدة نساء في نفس الوقت ، أو له قدرة علي خلق موقف بطولي من خلال صفات أخلاقية كالشهامة والرجولة والحب وغيرها من الصفات التي لا تؤدى بالضرورة إلى العنف .
فالأبطال في الدراما التلفزيونية أشخاص عاديون يتم استلهامهم من الواقع ، استطاعوا في لحظة ما استخدام قدراتهم الجسدية والعقلية والأخلاقية للتصرف بحكمة ، ثم عادوا لحياتهم اليومية . لكن هذا النوع من الأبطال لم يقض علي الابطال الخارقين والخياليين الذين حافظوا علي وجودهم ومكانتهم في الصناعة السينمائية وفي كثير من الأفلام الموجهة للبث عبر القنوات التلفزيونية .
تعليقات