U3F1ZWV6ZTIzNTU5OTQyOTc0Njc4X0ZyZWUxNDg2MzY0OTI3Njg4Ng==

ما هو الاغتراب ؟ وما هو مفهومه ؟

ما هو الاغتراب ؟
مفهوم الاغتراب والمعالجة النظرية له 

ما هو الاغتراب ؟  

كثيرا ما استخدم مصطلح الاغتراب Aliénation في شتي مناحي الحياة حتى بدا مصطلحا مستخدماً في دارج الكلام ، ولذا تعددت دلالات هذا المصطلح حتى أصبح للكثيرين مصطلحاً غامضاً وإشكالياً يرتبط به جدل كثير ، و " هيجل " هو أول من صك لهذا المصطلح استخداماً علمياً ومنهجياً ، بل ونظر له في كتابه الموسوم ( فينومينولوجيا عام 1807 ) وقسمه إلى شكلين : سلبي وإيجابي ، واستخدمه قبله وبعده كثيرون من أدباء وفلاسفة ومتخصصين في مختلف العلوم السلوكية والاجتماعية ، وشكلت هذه الاستخدامات تراثاً معرفياً ضخماً في دراسة الاغتراب . 

إن العلاقة بين ( الذات ) و ( الآخر ) وشكل هذه العلاقة هي أهم مرتكزات ومكونات الاغتراب كعملية Process وكنتيجة Result ، كما أن أبعاداً أخرى كالوعي Awareness ، والتموضع أو التخارج Objectivization ، والمعرفة Congnition ، والمعني Meaning هي أهم الأبعاد التي تكمل الصورة لفهم الاغتراب . 

درس الاغتراب كمتغير اجتماعي من حيث كونه حالة Case أو ظاهرة Phenomenon تؤثر سلباً علي توافق الفرد مع محيطه ، ودرس فلسفياً لتأصيل وتوصيف المفهوم ، وحاول النفسانيون توصيفه وتفسيره في دراسات الصحة والتوافق كحالة متطورة لعدم التوافق وعدم السواء لانفصال الذات عن الفرد والمجتمع ، وكتب فيه الأدباء والمفكرون ، وعمم هذا الاستخدام للمصطلح لوصف ظاهرة سلبية والتي تتمثل في اغتراب وحدة بشرية عن حضارتها وثقافتها التي ترعرعت فيها وتلجأ لتصحيح هذا الاختلال لتبني طروحات ثقافية تمثل ثقافة مجتمع وحضارة أخرى غالباً ما تكون طاغية . 

مفهوم الاغتراب : 

يري الكثير من الباحثين أن مفهوم الاغتراب يستخدم بدلالات متعددة ومختلفة بسبب تعدد استعمالاته وكثرة العلوم والاتجاهات التي تناولته بالبحث والدراسة ، وفيما يلي محاولة لتعريف الاغتراب : 

1- التعريف اللغوي للاغتراب : 

لدي مراجعة بعض مناجد اللغة العربية تبين أن الاغتراب يعني التباعد ، الغياب ، النزوج ، الاختفاء ، وتتفق علي أنها حالة شعورية يمر بها الفرد نتيجة تغيير المكان الذي يعيش فيه . 

أما في اللغة اللاتينية فقد استخدم لفظ الاغتراب بعدة معانٍ هي تحويل شئ ما لملكية شخص آخر ، ونزع الملكية ، واستخدم بمعني حالة فقدان الوعي أو قصور القوة العقلية . 

2- التعريف الاصطلاحي للاغتراب : 

عند محاولة تحديد المفهوم الاصطلاحي للاغتراب يمكن تصنيفه إلى ثلاثة أصناف : 

1- مفهوم الاغتراب قبل عهد " هيجل " . 

2- مفهوم الاغتراب في عهد " هيجل " . 

3- مفهوم الاغتراب بعد عهد " هيجل " . 

1- مفهوم الاغتراب قبل عهد " هيجل " : 

من أبرز مفاهيم الاغتراب قبل عهد " هيجل " نجد المفهوم الديني ، والذي يتلخص في معني الانفصال ، أي انفصال الإنسان عن الله ، وانفصال الإنسان عن الطبيعة ( الملذات والشهوات ) ، وانفصال الإنسان المؤمن عن الإنسان غير المؤمن . 

فالاغتراب في المفهوم الديني ظاهرة حتمية في الوجود الإنساني ، وحياة الإنسان علي الأرض ما هي إلا غربة وطنه الأسمي ، الوطن السماوي . 

2- مفهوم الاغتراب في عهد " هيجل " : 

اهتم هيجل في معظم مؤلفاته بمصطلح الاغتراب حتى أطلق عليه أبو الاغتراب ، ويعتبر " هيجل " رائداً في مجال الكتابة عن الاغتراب . 

فالاغتراب عند " هيجل " واقع متجذر في وجود الإنسان في هذا العالم ، فثمة انفصام موروث بين الفرد بوصفه ذاتاً مبدعة تريد أن تكون وأن تحقق نفسها ، وبين الفرد موضوعاً واقعاً تحت تأثير الآخرين . 

وقد حدد الوجوديون فكرة الاغتراب عند " هيجل " بنظرة شمولية تتجسد في أنه انعكاس لتصدعات وانهيارات في العلاقة العضوية بين الإنسان وتجربته الوجودية ، بين الذات - الموضوع ، بين الجزء - الكل ، بين الفرد - المجتمع ، بين الحاضر - المستقبل . 

وقد ميز " هيجل " بين مجالين للاغتراب هما الاغتراب الإيجابي والذي أسماه بالتخارج وهو تمام المعرفة بذاتها ، إذ أن المعرفة المطلقة تتضمن الاغتراب بقدر ما تحتوي في ذات الوقت علي حركة نحو التخطي . والاغتراب السلبي وهو تخارج لم يعرف ذاته إلا بوصفه حقيقة قائمة علي امتلاك العالم واستدماج الوعي به . 

3- مفهوم الاغتراب بعد عهد " هيجل " : 

بعد عهد هيجل بدأ مصطلح الاغتراب ينسلخ عن بعديه الإيجابي والسلبي وأصبح يقصد به معني السلب ، ومن أبرز المفكرين الذين عبروا عن ذلك نذكر : 

- " كارل ماركس " : 

استخدم ماركس مفهوم الاغتراب في كتاباته الدينية والسياسية إلا أن تركيزه علي استخدام هذا المصطلح كان في تحليلاته الاقتصادية ، خاصة ما يتعلق منها بمجال تحليل العمل ، وقد أرجع أسباب الاغتراب إلى أن بعض الأفراد يغتربون عن أعمالهم لأسباب موضوعية كامنة في علاقات الإنتاج ونسق السيادة الطبقي مما يؤدى إلى أنفصالهم عن العمل والإنتاج ، كما يؤدى إلى اغترابهم عن الطبيعة وعن ذاتهم . 

- في الوجودية : 

انفصال الفرد عن الأنا الواقعية بسبب الانغماس في التجديدات وضرورة التطابق مع رغبات الآخرين ومطالب المؤسسات الاجتماعية . 

- " روسو " : 

عرفه روسو " أن تغترب يعني أن تعطي أن تبيع ، فالإنسان الذي يصبح عبداً لآخر لا يعطي ذاته وإنما يبيعها علي الأقل من أجل بقاء حياته ، وهذا التعريف يصور تمايزاً بين مفهوم العطاء ، وبين البيع . 

- " فرويد " : 

أما " فرويد " فإنه يفسر الاغتراب في ضوء نظريته في الشخصية ، فهو يؤسس مفهومه للاغتراب افتراضياً ، فالاغتراب هو اغتراب الأنا عن الهو ، أي اغتراب الشعور عن اللاشعور . 

ويذهب كذلك في تفسيره لهذا المفهوم إلى أن للحضارة متطلباتها وضغوطها التي يمكن أن تتناقض جوهرياً مع الذات ، مما يدفع الفرد إلى الاغتراب عن الذات وعن المجتمع الذي يعيش في إطاره . 

وعليه فقد استخدم مصطلح الاغتراب بمعني حالة الانفصال بين الفرد والموضوع ، وبين الفرد والأشياء المحيطة به ، وبين الفرد والمجتمع ، مما يعني أن علاقة الفرد بالأشياء أو بالموضوع علاقة غير سوية ، فهو يعيش بين أهله وفي مجتمعه ولكن في دائرة الغربة أو الانفصال ، إنه يعيش في عالم مجرد من القيم لدرجة أنه لا يرفض الحياة فقط بل يعاديها ، فيدخل الفرد إلى عالم اللانتماء ويفقد الحس والوعي . 

وهذا ما يؤكده الباحثون بأن الاغتراب يعني فقدان أو نقص العلاقة أو الصلة حيث يجب أن تكون تلك العلاقة متوقعة ، وهي حالة يكون فيها الأشخاص والمواقف الشائعة غريبة عن الشخص . 

وهكذا يتمحور معني الاغتراب حول شعور الفرد بأنه غريب عن ذاته أو عن مجتمعه الذي يحيا فيه ، ويوصفه الروائي " ألبير كامن " في روايته ( الغريب ) بحالة ذلك الشاب الذي يعيش خارج بلده ويملك شقة خاصة ويعمل كما يعمل أهل تلك البلاد ، ويرتاد المقاهي ، ويقابل أصدقاء له في شقته ، ويحضر لنفسه الطعام ، ويؤدى ما عليه ، لكنه في نهاية الأمر يحمل أفكاراً لا يريد أن يتنازل عنها ، ويشعر بأن عليه الالتزام بها والمحافظة عليها والتصرف بموجبها ، إنه يبدو غريباً في مجتمع لا يتفق معه ويعتبرها آراء تأتي من ( الخارج ) وإن كان هذا الشاب يعيش في نفس المجتمع . 

إن الاغتراب من حيث المبدأ نتاج الإنسان ، فمن خلال العمل الجماعي يغير هذا الإنسان الطبيعة من حوله وأيضاً ينشئ المجتمع ، ورغم أن البشر بهذا المعني هم الذين يصنعون العالم الاجتماعي ثم الطبيعي - جزئياً - الذي يعيشون فيه ، فإن هذا العالم أصبح فيما بعد غريباً عنهم لا يملكونه وإنما تملكه وتملك الإنسان معه أشياء أخرى صنعها الإنسان بنفسه ثم استقلت عنه وسيطرت عليه وعلي العالم ، منها النقود والتنظيمات والآليات التي قد لا يفهمها الإنسان نفسه ، والمؤسسات التي تخضع لآليات شبه مستقلة عن إرادة الأفراد . 

وهكذا يحدث الاغتراب الذي لا سبيل لهزيمته إلا بمزيد من المعرفة المتحررة من الأغراض الهادفة إلى الحصول علي الإدراك الشامل للطبيعة والمجتمع لكي تتيح له الانغماس في ممارسة الحياة مثل العمل المبدع والحب والتذوق لمختلف الفنون وإنتاجها بناء علي الإدراك الشامل وتوسيعاً له وتعميقاً لأبعاده . 

هذا المفهوم هو ما ذهب إليه " أريك فروم " في كتابه ( الهروب من الحرية ) . وهو ما وصفه الوجوديون علي أنه ( وجود - داخل - العالم ) ، وهو ما يحيل الفرد إلى مجرد شئ داخل هذا العالم وهو ما عرف بـ ( ظاهرة التشيؤ ) ، أما الوجود الإيجابي فهو ( الوجود - في - العالم ) ، وهو ما يضفي علي وجود الفرد صفة المشاركة الفاعلة الإيجابية في العالم . 

المعالجة النظرية لمفهوم الاغتراب في ضوء النظريات النفسية :  

1- نظرية اغتراب الشباب عند " كينستون " : 

عرض كينستون 1965 نظريته عن اغتراب الشباب في كتابه ( اغتراب الشباب في المجتمع الأمريكي ) حيث بين أن الاغتراب يحدث في كل المجتمعات باختلاف أنماطها الثقافية والسياسية والاجتماعية ، فنظرية الاغتراب تحمل معاني تشاؤمية ولا يتحدد وجود الاغتراب بعوامل محددة ، لو زالت هذه العوامل زال معه الاغتراب . 

2- نظرية أزمة الهوية عند " أريكسون " : 

إن الهدف الأساسي لنظرية أريكسون هو اهتمام النظرية بتطور هوية الأنا ، ويري " أريكسون " 1968 أن فترة المراهقة حاسمة في نمو هوية الأنا لدي الفرد حيث عندما يكون الفرد المراهق هدفاً مركزياً محدداً فإن ذلك يعطيه إحساساً بالتوحد ، فتحدد هويته ويدخل مرحلة الألفة والانتماء لأن عدم تحديد الهوية للمراهق وعدم توحده يؤدى بالفرد إلى الشعور بالاغتراب . 

إن ظاهرة الاغتراب من الظواهر التي شغلت بال الكثير من الباحثين والفلاسفة في كل العصور ، وقد ركزت معظم الدراسات علي النشأة التاريخية لظاهرة الاغتراب وأهملت الاهتمام بأسبابها . 

حيث يشير الباحثون إلى أنه توجد مدرستان تناولت الاغتراب : 

الأولي : تناولة ظاهرة الاغتراب من ناحية اجتماعية ، واعتبرت أنه مشكلة اجتماعية تنشأ كرد فعل للضغوط والتفكك والظلم الموجود في النظام الاجتماعي ، ولاسيما في المجتمع الليبرالي ، وينظر للفرد المغترب بأنه ضحية لمجتمعه ، وأن اغترابه قد فرض عليه بواسطة النظام الاجتماعي غير العادل ، وهذه النظرية أغفلت أثر شخصية الفرد وما يعاني من اضطرابات . 

أما الثانية : عالجت هذه الظاهرة من الناحية النفسية ، باعتبارها مشكلة نفسية وينظر إليها علي أنها تطورية بطبيعتها وتعزو أسبابها الجذرية إلى الأمراض الشخصية وهذا الاعتقاد ينظر للإنسان علي أنه ضحية لخبرات طفولته المبكرة وأنماط العلاقات الأسرية ، فاغتراب الفرد يعد اختياراً ذاتياً ويستخدم كميكانيزم دفاع ضد الصراع النفسي . 

3- مفهوم الاغتراب في ضوء التصور الإسلامي : 

فكرة الاغتراب بكل معانيها وجدت في الفكر الإسلامي الديني والفلسفي علي السواء ، منذ القدم واستخدمت بعدة معان كالتالي : 

يري البعض أن الاغتراب بالمعني الإسلامي اغتراب عن الحياة الاجتماعية الزائفة ، واغتراب عن النظام الاجتماعي غير العادل فالغرباء قاوموا الحياة ومغرياتها بطريقة إيجابية وسلبية فقهروا السلطتين معاً سلطة الحاكم وسلطة النفس بترويضها علي الطاعات . 

كما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ فطوبي للغرباء " . ( صحيح مسلم 208 ) 

في حين يري آخرون أن الاغتراب بالمفهوم الإسلامي غربة ممدوحة ورغبة مذمومة : 

- الغربة الممدوحة ( الاغتراب الإيجابي ) : 

هي غربة أهل الله وأهل سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الخلق أو هي الغربة التي امتدحها الله تبارك وتعالي ومدح رسول الله صلي الله عليه وسلم أهلها ، قال تعالي : " فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقٌرُون مِن قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إلَّا قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ " 

- الغربة المذمومة ( الاغتراب السلبي ) : 

وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق ، فهي غربة بين حزب الله المفلحين وإن كثر أهلها ، فهم غرباء علي كثرة أصحابها وأشياعهم ، أهل وحشة علي كثرة مؤنسيهم . 

وكذلك أشار كذلك " ابن القيم الجوزية " إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الغربة : 

- النوع الأول : غربة محمودة : 

غربة أهل الله وأهل سنة رسوله بين الخلق وهي الغربة التي مدح رسول الله صلي الله عليه وسلم أهلها . 

- النوع الثاني : غربة مذمومة : 

وهي غربة أهل الباطل واهل الفجور بين أهل الحق ، فهي غربة بين حزب الله المفلحين وإن كثر أهلها فهم غرباء علي كثرة أصحابهم وأشياعهم . 

- النوع الثالث : غربة مشتركة : 

لا تحمد ولا تذم ، وهي الغربة عن الوطن فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء فإنها ليست لهم بدار مقام ولا هي الدار التي خلقوا لها .

تعليقات